الأغنية الشعبية الحديثة (1) .. مراد داغوم

|| Midline-news || – الوسط …
.
مهما علا شأن الموسيقا الكلاسيكية، ومهما علا شأن متابعيها، وبالرغم من كثرة محبي موسيقا وأغنيات الجاز، تبقى الأغنيات الشعبية في صدارة قوائم البيع والطلب والاستماع في أنحاء المعمورة. والأهم أنها مقياس حقيقي لنوعية المستمعين، لمستوى الانتقائية عند الجمهور. الجمهور، ذلك الحَكَمُ المُخيف الذي تسعى كبريات جهات الإنتاج إلى إرضائه، وقد تحمل هذه الجهات مسؤولية من نوع ما، ولكن لما يسمى “الذوق العام” اعتبارات أخرى تضبط سوق الإنتاج وتتحكم به.
يتعرض هذا الجمهور لهجومات كثيرة من جهات مختلفة، تنتقده، وغالباً توبِّخه، وتتهمه بالمسؤولية عن حال معينة للإنتاج الفني، يتفننون في ابتكار أوصاف لنعتها مثل الهبوط والانحدار… أو يعتقدون أنهم ينالون منه عندما يمجدون أعمال فترة سابقة تاريخياً ويصفون زمنها بالجمال والأصالة عموماً مهما تضمنت تلك الفترة من إسفاف فني شنيع أحياناً. وعند التدقيق في هذه الهجومات لا تلمح من المهاجمين أي بادرة تصحيح، وتلحظ بوضوح عجزاً تاماً عن تقديم أي عمل فني “بديل” يرضون هم عنه أولاً، ويقبله الجمهور ثانياً.
وبذلك، يتحول هذا “النقد” المزعوم إلى مجرد نوع من “التعالي” غير المبرر، مديح مستتر للذات بدون أي سند عملي وأقصد كعمل فني جيد يرضون هم عنه ويقبله الجمهور كما أسلفت. ويبدو كطعنٍ غير مبرر في أذواق شريحة عريضة من الجماهير لا لشيء سوى اختلاف في الذوق !
كبداية، أود التنويه إلى الفرق بين الأغنيات الشعبية المسماة POP، وبين الأعمال المتوارثة التي يتم تحديثها أو تناولها بأساليب أخرى أو حتى بناء جديدها على قوالب متعارف عليها، وهي ما تسمى باسم FOLK، أو الأعمال الفولكلورية أو التراثية، مع تقدير الفرق بين الفولكلور وبين التراث من حيث مصدريهما.
عالمياً، هناك مقياس لترتيب الأغنيات من حيث قبول الجمهور وطلبه لها عن طريق مراقبة مبيعاتها، ومرات بثها من المحطات، أضيف في نهاية القرن العشرين عدد متابعيها على وسائط التواصل الاجتماعي وأهمها اليوتيوب. هناك مؤسسات عالمية ذات سمعة عالية تنظم قوائم متعددة لهذه الأغنيات بحسب تصنيفاتها المختلفة. أشهر هذه المؤسسات هي “Billboard” العريقة، التي بدأتها مجلة Billboard magazine عام 1936 بإصدار أول قائمة تتضمن ترتيباً للأغنيات الضاربة في سوق الأغنيات بما يُسمى hit paradeوالذ أسموه بالعربية فيما بعد (سبعينات القرن الماضي) باسم “سباق الأغنيات”. ثم تتالت القوائم تحت مسمى Billboard charts، وبدءاً من الشهر السابع 1940 تعددت هذه القوائم مثل قائمة Hot 100، أو قوائم بحسب كل نمط من أنماط الموسيقا: rock, country, dance, bluegrass, jazz, classical, R&B, rap, electronic, pop, Latin, Christian music إلى آخر تلك الستايلات.
في كل تلك القوائم سالفة الذكر، وحنى اليوم، المرجعية للجمهور ولتفضيلاته كحكم أول ووحيد. تجدون في نهاية هذا المقال رابطاً لواحدة من أهم قوائم هذه المؤسسة وهي قائمة Billboard-200، يتم تحديث هذه القوائم في نهاية كل أسبوع استناداً لمراجع موثوقة تضمنها هذه المؤسسة.
الذي يهمني من هذه القائمة هو أنها حصيلة خيارات أذواق الجمهور، ففي هذه الأغنيات مستويات متعددة من بين 200 أغنية قد تعجبك منها واحدة ولا تعجبك البقية، ولكنك لن تجد مقالاً واحداً يذم السيء منها أو يصفه بالهبوط وذلك احتراماً لذوق الشريحة العريضة التي أوصلت هذه الأغنية إلى ترتيبها المخصص.
فلو طرحت ذاتي كمثال، لفتت انتباهي الأغنية الثانية المسماة Evermore للمغنية Taylor Swift، لأنها مُفرطة في البساطة، حيث انقضى أكثر من نصفها بصوت المغنية ومرافقة آلة البيانو مع خلفية الكترونية لا تكاد تُسمع، فقط … ثم يدخل صوت الباص، ثم كورال، وتنتهي الأغنية ببساطة أيضاً بدون أن نلحظ أية ضغوط من آلات الإيقاع الصاخبة المعهودة ولا مصاحبة من آلات وترية بالعشرات. إن جمهوراً أوصل هذه الأغنية إلى المرتبة الثانية من بين 200 أغنية لهو جدير بالاحترام حقاً ويمكنك الوثوق بذوقه.
كيف تطورت الأغنية الشعبية العربية خلال العقود الماضية؟ أي أنماطها كان ناجحاً جماهيرياً؟ ما هي الاعتبارات التي تمكننا من محاكمتها بعدل؟ من نلوم ومن نشجع؟ أسئلة سأحاول الخوض فيها في مقالات قادمة.
رابط قائمة الـ200
https://www.billboard.com/charts/billboard-200
للاستماع إلى أغنية Evermore:
https://www.youtube.com/watch?v=EXLgZZE072g
.
*(مراد داغوم – مؤلف وموزع وناقد موسيقي – سوريا)
http://تابعونا على صفحة الفيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews