الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا يغيران شكل الوظائف حول العالم

تواجه أسواق العمل العالمية مستقبلاً، عصراً جديداً من الاضطراب، حيث تعمل تقنيات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة على تسريع وتيرة تراجع العمل في المكاتب، وفي الوقت نفسه زيادة الطلب على المتخصصين في مجال التقانة والأمن السيبراني.
على مدى السنوات الخمس المقبلة، سيتغير ما يقرب من 25% من جميع الوظائف نتيجة ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي والرقمنة والتطورات الاقتصادية الأخرى، مثل: التحول إلى الطاقة الخضراء، وإعادة دعم سلاسل التوريد، وفقاً لتقرير نشره المنتدى الاقتصادي العالمي في جنيف اليوم الاثنين.
لكن رغم توقعات الدراسة بأن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى “اضطراب كبير في سوق العمل”، إلا أن التأثير النهائي لمعظم التقنيات سيكون إيجابياً على مدى السنوات الخمس المقبلة، حيث ستصبح تحليلات البيانات الضخمة وتقنيات الإدارة والأمن السيبراني أكبر محركات نمو التوظيف.
وأشار التقرير إلى أن ظهور تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل “تشات جي بي تي” (ChatGPT)، التي تستخدم الآلات لمحاكاة التفكير البشري وحل المشكلات، سيكون له تأثير واضح بشكل خاص من خلال استبدال وأتمتة عدد من الوظائف التي تنطوي على التفكير والتواصل والتنسيق.
الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا سيلغيان 26 مليون وظيفة
يتوقع نحو 75% من الشركات التي شملها الاستطلاع اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي على مدى السنوات الخمس المقبلة، والتي يُتوقع أن تلغي ما يصل إلى 26 مليون وظيفة في مجالات حفظ السجلات والمناصب الإدارية، مثل عمال حساب قيمة البضائع في المتاجر، وموزعي التذاكر، وموظفي إدخال البيانات، والمحاسبين، كما شملت دراسة المنتدى الاقتصادي العالمي أكثر من 800 شركة توظف مجتمعة 11.3 مليون عامل في 45 اقتصاداً في مختلف أنحاء العالم.
وأشار التقرير إلى أن الذكاء الاصطناعي حالياً لا يزال يمثل تهديداً أقل لآفاق العمالة من عوامل الاقتصاد الكلي الأخرى، مثل: تباطؤ النمو الاقتصادي ونقص الإمدادات والتضخم، كما يُرجح أن تظهر فرص عمل جديدة من الاستثمارات التي تسهل التحول الأخضر للشركات، والتطبيق الأوسع لمعايير الحوكمة البيئية والمجتمع والشركات، وإعادة توجيه واسعة النطاق لسلاسل التوريد العالمية.
هل تختفي الشركات الكبرى مع تطور التكنولوجيا
كانت الشركات كبيرة الحجم جزءاً أساسياً من الحياة الأميركية منذ أواخر القرن التاسع عشر، وحالياً يعمل عدد أكبر من الأميركيين في هذه الشركات مقارنة بنظيراتها صغيرة الحجم، لكن تلك المعادلة قد تكون على وشك التغيير جزئياً بسبب صعود الذكاء الاصطناعي.
على سبيل المثال نجد أن شركة “ميدجورني” (Midjourney)، صاحبة الخدمة الأكثر شهرة في إنتاج الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي، تعتمد على 11 موظفاً فقط بدوام كامل، وربما تُعيّن مزيداً من الموظفين مستقبلاً، لكن هذا يعتبر عدداً قليلاً جداً في شركة أصبحت معروفة على نطاق واسع في مجالها.
بالطبع فإن أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك هو أن الكثير من العمل يعتمد على أجهزة الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي، ولا يُعتقد أن هذا سيؤدي إلى بطالة جماعية، لأن التاريخ أثبت أن العمال تمكنوا عادةً من الانتقال من القطاعات التي سيطرت عليها الأتمتة إلى أخرى جديدة ومتنامية، لكن إذا ظهرت بعض القطاعات التي تتطلب وظائف جديدة، مثل الخدمات الشخصية المخصصة لرعاية المسنين، فستكون هذه الوظائف عادة في شركات أصغر وأكثر محلية، ما يعني توظيف عدد أقل من الأميركيين في الشركات الكبرى.
بالطبع لن تنخفض القوى العاملة في كل الشركات الكبرى، وقد لا تتمكن بعض الشركات التي تقدم خدمات للعملاء، مثل “ستاربكس”، من أتمتة أنشطتها الأساسية، كما ستظل تعتمد على الفروع الوطنية، مما يعني أنه سيتبقى لديها عدد كبير من الموظفين (التقدير الحالي لعدد موظفيها هو 400 ألف موظف)، لكن العديد من موظفي “ستاربكس” سينتقلون من وظائفهم حينما يتقدمون في العمر، وينضمون إلى شرائح أخرى من القوى العاملة. وقد يصبح العمل في الشركات الكبرى شيئاً يفعله الناس عندما يكونون صغاراً ثم يغادرون، ولا يعودون أبداً.
آلية العمل المتوقعة بوجود الذكاء الاصطناعي
ستحتاج الشركات البارزة التي تضم عدداً أقل من الموظفين إلى تعيين الأشخاص المناسبين تماماً، كل في منصبه، بحيث يشرفون على الهياكل الإدارية العليا المتفوقة والمؤتمتة والمدارة بواسطة الذكاء الاصطناعي، وسيزداد اختيار الموظفين بناءً على مواهبهم، كما سيحصل الأشخاص في هذه الشركات الأصغر حجماً على رواتب عالية جداً.
وحتى إذا لم تبرم هذه الشركات شراكات رسمية، فإن ثقافاتها الداخلية ستتبنى بشكل وثيق ثقافة الشراكة أو العمل الجماعي، مع قدر كبير من المراقبة الداخلية المتبادلة، وسيمثل ذلك أيضاً تطوراً في شكل مكان العمل.
المصدر: اقتصاد الشرق