العناوين الرئيسيةكشكول الوسط

التشكيلية لوسي مقصود: أعمل بدأب لأقدم تجربة جديدة أكثر نضجاً.. فالفنان رسول محبة وجمال وإنسانية

|| Midline-news || – الوسط …
روعة يونس
.

سعيت جدياً لمحاورتها، إذ كنت أتابع أعمالها منذ زمن. وأعرف مكانتها كفنانة تشكيلية مهمة في مدينتها حلب. فتجربتها الفنية مدججة بموهبة إبداعية رائعة، مصقولة بالعلم والأكاديمية في مجال الفن التشكيلي واللغات والأدب.
لوسي مقصود، الفنانة التشكيلية الجميلة، السباقة المتفوقة في دراستها وأعمالها ورؤاها الفنية، نالت احترام وتقدير الزملاء والأساتذة على حد سواء. لأنها باختصار قدمت خلال سنوات عملها الفني لوحات رائعة تحاكي الإنسان وتطلعاته. والأهم قدمت كل ما هو جديد مبتكر، وعبّرت عن هوية مستقلة وحضور مميز. فضلاً عن موهبتها الإبداعية في مجال الشعر والنثر التي لا تقل جمالاً عن فنها.

“ولادة الفنان”
ثمة سؤال لا بد أن نبدأ يه وإن كان تقليدياً! حدثينا عن بداية علاقتك مع الفن التشكيلي، في أي سنة تشكلت نواة موهبتك؟ وهل صقلتها أكاديمياً؟

كل طفل يولد وبداخله فنان يولد معه.. ومحظوظ من حظي ببقاء هذا الطفل داخله. لا توقيت معين لتشكيل نواة فنية، فوجودها حتمي. مازلت أذكر كيف أنني منذ الصغر كنت أراقب المفردات الحياتية حولي من حجر وبلاط وتفصيل خطوط في الخشب؛ وشجر وأوراق وغيوم.. أرى في تشكيلها جمالاً يخصني واستمتع بهذه الخصوصية.
نعم لا بد من صقل الموهبة.. في مرحلة من الحياة بدأت بالبحث عن الطريق وكانت بدايتي في مركز الفنون التشكيلية في حلب. وبدأت علاقة جدية بيني وبين الفن التشكيلي. كلية الفنون الجميلة كانت حلمي.. وبقي هذا الحلم يرافقني إلى أن تمكنت من تحقيقه منذ فترة قصيرة انتسبت إلى الكلية وتخرجت منها بدرجات عالية وحصلت على جوائز الأوائل للسنوات الأربع.. دراستي السابقة للأدب الإنجليزي ساعدت في دعم دراستي لما تشمل من مسرح ونقد ومقال.

 يلاحَظ مدى اهتمامك بالتجريدية والتعبيرية.. كما لو أنكِ اخترت هذه المدارس لتمرير رسائلك ونصوصك اللونية؟

التجريدية والتعبيرية مرحلة متقدمة للواقعية التي تعتبر أساساً لدراسة الفن التي لابد من خوض بحرها ليكون الفنان متمكناً.. حين أبادر إلى لوحتي /أنا شخصياً/ لا أتوجه لمدرسة بل أترك العنان للمخزون البصري والتراكمي عبر التجارب ليأخذ حقه.. المهم في الأمر أن يتمكن الفنان من أدواته ويرتكز النتاج على قيمة المعرفة فكرياً وتقنياً.

 

“حرية المحاكاة”
أعتقد من خلال متابعتي لتجربتك الفنية أن البطل في لوحاتك هو “الفكرة” وليس الشخص (امرأة- رجل) أي أن بطلك فكرة تشكلينها لونياً؟

يلعب اللون والخط دوراً أساساً.. وأطلق لمخيلتي حرية المحاكاة. أي شخص عندما يقوم بعمل ما هناك حوار داخلي يدور وتتوارد الأفكار تلقائياً فما بالك أثناء الرسم! فاللوحة أمامك مساحة بيضاء ولك حرية الاستمتاع باللون والخط على هذه المساحة، إلى أن تحظى بحالة من الألفة مع اللوحة وتأخذك التداعيات لتترجم ما تود قوله.


على الرغم من سيطرة الرمزية على لوحاتك، نجد أن “الإنسان” بشؤونه وشجونه.. وبآماله وآلامه يستحوذ على فكرك الفني. فحتى تفاصيل الطبيعة تسخرينها لخدمة فكرتك عن الإنسان؟

الإنسان محور الحياة الأساسي.. وبالذات الداخلية، تتبلور في الانطباعات اللونية ورعشة اليد.. وأنا أترجم هذا من خلالها فيحضر الإنسان دون الغوص في المباشرة- الرمزية. لأنها أعمق من كل ما هو مباشر. هو علم بحد ذاته تطور عبر العصور، وأصبحنا في أيامنا الآن نتخاطب رمزياً وبشدة عبر التكنولوجيا ورموزها.. والدلالات تسمو مع الرمزية وهي عامة وتكاد تكون عالمية.. كل ما حولنا من أشياء أو معان له دلالات وعندما أتمكن من استخدام مفردة خاصة وأسخرها لقول ما أود قوله في اللوحة؛ أصل لتجربة خاصة تترك بصمة واضحة في مسيرتي.

لمن لا يعرف اهتماماتك “التشكيلية” في العقد السابق- قبل الحرب. أي المواضيع والأفكار اللونية كانت تشغلك؟

قد تكون فترة ما قبل الحرب واسعة نطاق البحث. لكن الأمر يتعلق ولا بد في الانتماء. فأنا ابنة المدينة الجميلة حلب التي تحمل على جدرانها غزير لون وأطياف.. كانت تسحرني حجارتها وانعكاسات الشمس بشتى الألوان. هدوء أزقتها القديمة الضيقة وأكشاكها الخشبية. كل هذا ترك أثراً على لوحات في مرحلة جميلة. أفخر بنتاج تلك المرحلة.

 

“الجرح النازف”
كيف عبّرتِ في فنك عن الحرب على سورية، بخاصة وأن مدينتك حلب شهدت خراباً ودماراً وصعوبات قاسية؟

مازال الجرح نازفاً.. وما زالت مدينتي تعاني وتتعافى تدريجياً. هذا الجرح البليغ ترك أثراً في النفس وشرخاً. خلال فترة الحرب قدمت النساء قرابين لا تعد ولا تحصى.. أولئك القديسات (الأم والأخت والابنة والصديقة والحبيبة).. ترك هذا أثره في أعمال ترجمتها في لوحات كان عنصرها الأساسي الأنثى في معرض فردي 2016. ورغم الظروف الحرجة والمرحلة القاسية كان الزملاء والأصدقاء دوراً في دعم وسند أدين لهم به.


تُعتبرين -في جيلك- إحدى أهم فنانات التشكيل في سورية (هذا رأيي ورأي النقاد والزملاء) كم استلزمك من جهد ووقت وصقل ومتابعة واطلاع كي تحققين هذه المكانة؟

الجهد الذي أبذله قد يكون في المثابرة.. والمكانة التي أراها من خلال زملائي والنقاد هي نتاج محبة.. فما يخرج من القلب لا بد أن يصل إلى القلب. في كل مرة أنا أقدم تجربة قد تحمل ثغرات وسأعمل دائماً بدأب لأقدم تجربة جديدة أكثر نضجاً.

“تشكيل حلبي”
تكتبين بلغة جميلة نصوصاً نثرية وشعرية رائعة.. فهل لديك نية في طباعة كتاب مرفق بلوحات لكِ.. وهي فكرة سبق لفنانين أن قدموها ولاقت النجاح؟

نعم.. أكتب نصوصاً وأحياناً خواطر وهي وليدة اللحظة والموقف الذي أواجهه، وأحياناً أعايشه أو أرقبه.. أصدق في كتابتي ولا أفتعل المشاعر ولا أستجدي.. هي مني ولي وإن وصلت المتلقي فيكفيني صدق وقعها.. فكرة طباعة كتاب ومرفق بلوحات رائعة وقيد الدراسة وتحتاج الكثير من العمل الجاد.

أرغب بسؤالك عن واقع الحركة التشكيلية في مدينتك حلب. كيف ترينها؟ وماذا عن العثرات التي تصادف الفنانين؟

الحركة التشكيلية في واقعنا تعاني من تداعيات الوضع القائم.. ومسارها يشابه نبض الزمن الحالي.. يعاني الفنان الكثير من العقبات مادياً ومعنوياً لكن هذا الأمر لا يقتصر على فنانينا فقط.. كثير من الفنانين الحقيقيين لا نجد لهم صدى. فالقوالب الاسمنتية والجدران الصماء لا تترك متنفساً للبراعم الجديدة.. وهذا برأيي معضلة فالموهبة والقدرة لا تقف عند جيل أو أشخاص، بل هي تتوالد.

“دور المبدع”
كيف ترين دور الفنان التشكيلي، كمبدع وتنويري، خلال الأزمة التي يشهدها العالم بأسره، المتمثل في فايروس “كورونا”؟ وهل من فكرة أو أعمال تنوين تقديمها عن كورونا؟

رغم الموسيقا الذي تحمله بين حروفها هذه الجائحة “مورونا” لكنها صادمة. ينتابني للمرة الأولى شعوراً قد يحمل شيئاً من الجحود.. بأننا لسنا الوحيدين في هذا العالم من يعاني الألم والأسى! رجاؤنا بارقة تلوح وتحمي الإنسانية من كل شر. لكن في ظل هذا الألم تتزاحم الأفكار في رأسي وتلوح هواجس الألوان لكن يبدو أنها لم تصل مرحلة النضج.. وفي القريب هناك ولادة تتوق للنور.

كلمة أخيرة؟

في البدء كان اللون سيداً.. ولكل مواقف الحياة. وسيبقى لكل موسم لونه.. والأفول بألوانه لا يعني الغياب الكامل! الحياة في تجدد دائم وحالة الدوران مستمرة.. ونحن كفنانين رسالتنا الجمال. هناك من يسعى لتشويه وزرع ثقافة القبح واللا إنسانية.. لكننا رسل محبة وجمال وإنسانية.
مودتي ووافر شكري لصحيفة “الوسط”.. ولكل من يسلط الضوء على زاوية منسية فيها من الجمال ما يستحق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى