
|| Midline-news || – الوسط …
هيباتيا (أو هيباشيا) الهيلينية ابنة ثيون، أستاذ وعالم الرياضيات في جامعة الإسكندرية، هي الفلكية وعالمة الرياضيات اليونانية الإسكندرانية الأولى، التي درست في هذه الجامعة وكانت على مستوى ملحوظ من العبقريةِ والاجتهاد والنبوغ، حيث تميّزت بشرح الفلسفة والرياضيات فيما بعد، في محافل التلامذة المقبلين على الفلسفات الأفلاطونية والأرسطية؛ تلك المحافل التي ما كان معهوداً أن تتولّاها امرأةٌ في ذاك الوقت، وهي الكائنُ الضعيف الذي ارتبط وجوده بالفتنةِ والعار لا أكثر.
“آغورا” هو فيلم يحكي قصة حياة هذه الفيلسوفة. وهو فيلمٌ يعرض للقصة بأحداث جميلة وغنية كفيلة بأن تقدّم للمشاهد خلال ساعتين ما يقدمه كتابٌ ربما عن حياة هذه العالمة الفيلسوفة التي لم يكن يحبسُ أنفاسَها إلا مسافاتُ النجوم وبعد الشمس عن الأرض ومحاور دوران الفلك والكواكب وقواعد بطليموس. فيجسّد لكَ المشهدُ العاملَ الأول في حياة الفيلسوف؛ الدهشة والسؤال.
هذه المرأة التي عشقها رجالٌ كثر وأرادوا القرب منها بشتى المحاولات والطرق النبيلة تارةً والقذرة تارةً أخرى، غير أنها في النهاية كانت تروّض كل أشكال العشق لتجعله صداقةً روحيةً محضَ فكرية، فيخجل العاشق الولهانُ من أي دوافع ما خلا الحوارات الفلسفية والفلكية والرياضية.
وهكذا “هيباتيا” لم تتزوج، وحاولت بدهائها أن تكسبَ قلوب أحبّتِها بطريقةٍ عطوفة تجعلهم أصدقاءَ العمر ورفاق الطريق.
كرست سنوات عمرها للمعرفة والتدريس والشرح والقراءة، وكانوا يقضون ساعاتٍ طويلة في صفوف أكاديميتها، التي خرّجت، رغم قصر سنّها، كبار المفكرين الذين صاروا فلاسفةً فيما بعد وأساتذةً لكلّ منهم مذهبه الفلسفي الخاص.
حتى ظهرت مجموعةً من المتطرفين المسيحيين في حينها ممن أدانوها في عدم اعتناق المسيحية، متهمين إياها بالسقوط والعهر والكفر وأبشع الصفات كونها لادينيةً أو وثنيةً حيناً، وكونها غير متزوجة أحياناً كثيرة.
هكذا قضت “هيباتيا” رمياً بالحجارة، فاعتبرها البعض أولَ شهيدةِ علمٍ ذبحَها التطرّف الدينيّ.
الفيلم عرضٌ جميل لوقائع تاريخية كان أبطالها أمونيوس المسيحي والأسقف سينيسيوس وغيرهما من شخصيات تلك الحقبة التي كان فيها صراع المسيحية والوثنية في ذروته.
غير أن اختيار المخرج والكاتب أليخاندرو أمينابار للممثلة رايتشل وايز قد لا يكونُ موفّقاً في مكانٍ ما! فهذه الممثلة المثالية، شكلاً، وفق معايير القرن الواحد والعشرين، بدت أضعفَ وأرقَّ وأكثر هشاشةً من أن تجيدَ أداء دور امرأةٍ تاريخيةٍ كرست لياليها للعلوم، رغم جمالها المعروف عنها، والتي تنتمي لعصورٍ كانت معايير الجمال قطعاً مختلفة، وكذا مواصفات المرأة وتقاسيمها.
لعل الأجدر كان اختيار الممثلة عن دراسة تفصيليةٍ لفراسة هذه الشخصية، فتكون عيناها أكثر قوةً وحدّةً مثلاً، أنفها حاداً فيدل على الشخصية الشكاكة وهي صفةُ العلماء والفلاسفة، إلى جانب تفاصيل كثيرة أخرى.
حتى أن الصور المتوفرة بالرسم عن “هيباتيا” لا تشبه وايز ولعلّ هذا ملحوظٌ للمشاهد.
الشخصية كان ينقصها كاريزما من نوعٍ خاص، سحرٌ آسر أبعد من جماليات دمى هوليوود النحيلة البيضاء الباردة، وربما كانت “هيباتيا” كذلك، غير أن وايز التي نجحت في كثيرٍ من المواقف في أداءِ الشخصية، ربما تكون أخفقت في التعبير المطابق لما كانت عليه في مشاهد أخرى.
إن مجال النقد الفنّي للأعمال المرتبطة بالثقافات والحضارات، يتّسعُ للآراء المتباينة، وما ذلك إلا إثراءٌ للمعرفة والذائقة الفنية والثقافية على حدٍّ سواء.
فمجرّد الالتفات إلى حياة امرأةٍ كانت أمّاً روحيةً للعلوم الطبيعية الحديثة ورمزاً للحكمة، يبعث على التفاؤل في زمنٍ، اعتاد فيه المؤلفون والمؤرّخون وصنّاع الأدب ونقّادِه على قراءةِ آثار الفلاسفة والأدباء والرسامين من الذكور عموماً، بشكلٍ يدعو إلى التساؤل عن دور المرأة، غير الحاضر، أو المهمَّش.. مَن يدري؟!
.