إضاءاتالعناوين الرئيسية

أندريه ودورين ومسرح الأقنعة.. ترجمة حيّان الغربي

أندريه ودورين ومسرح الأقنعة.. ترجمة حيّان الغربي

السحر الهادئ في مسرح الأقنعة.. الحجب لإماطة اللثام “أندريه ودورين”
مسرحية صامتة عرضت في ما يربو على 30 بلداً “أنت في الثانية والثمانين من عمرك، لقد قصرت قامتك ستة سنتيمترات، وزنك لا يزيد عن خمسة وثمانين كيلوغراماً، ولكنك ما زلت جميلةً، حسناء، محبوبة. نعيش معاً منذ ما يزيد على ثمانية وخمسين عاماً، وحبي لك الآن أكبر من ذي قبل. إني أشعر ثانيةً بذلك الخواء الناخر في تجويف صدري، الذي لا يمتلئ إلا حين تعانقيني”.

هذا ما يستهل به أندريه جورز، الفيلسوف الفرنسي، نمساوي المولد، رسالته الممتدة على خمسٍ وسبعين صفحةً والموجهة إلى زوجته، دورين كير. ونظراً لأن هذين الزوجين قد عقدا العزم على أن يعيشا معاً حتى النهاية، حقنا نفسيهما بمادةٍ قاتلة في شهر أيلول/ سبتمبر 2007 وتوفيا وهما متعانقين في منزلهما في فونسون بفرنسا.
وغالباً ما صرّح الزوجان بأنه لو حدثت معجزةٌ ما لتمنحهما حياةً أخرى، لرغبا في أن يمضياها معاً، الأمر الذي قاما به في مسرحية “أندريه ودورين” المستلهمة من قصة حياتهما إلى حدٍّ ما.
المسرحية صامتةٌ تقريباً، ويؤدي فيها الممثلون أدوارهم من خلف الأقنعة، وقد طوّرت فكرتها فرقة كولونكا ثياتر في إقليم جيبوزكا الباسكي بإسبانيا.

يبدأ الجمهور بالتعرف على أندريه ودورين بعدما أمضيا عقوداً من الزمن يتقاسمان السكن وبدأ كل منهما بإظهار الفتور واللامبالاة تجاه الآخر. وبدلاً من استخدام الكلمات، تتواصل الشخصيتان على المسرح من خلال الحركات الإيمائية واستخدام الأشياء والأصوات. إذا شعرت دورين بعدم الرضا فهي تظهر ذلك من خلال عزف نوتةٍ موجزة على آلة التشيلو العزيزة على قلبها، أما أندريه فيعرب عن عدم رضاه من خلال النقر بأصابعه المرتعشة على آلته الكاتبة القديمة. وتبطل الحاجة للحوار نتيجةً لتوليفة الأصوات والتفاعل مع المكملات والتوقيت الكوميدي الخالص للممثلين.

أندريه ودورين ومسرح الأقنعة..
تقدّم هذه المسرحية حكايةً شاملةً عن الحب والتقدّم في السن، وتغدو دورين مشوّشةً إثر تشخيصها كمصابة بألزهايمر. وهكذا يضطر بطلا المسرحية إلى تذكر أيامهما الخوالي، وبالتالي، يلعب مرض دورين دور الوسيط الذي يعيدهما إلى بعضهما البعض.

يتكوّن طاقم المسرحية من ثلاثة ممثلين يلعبون أدواراً مختلفة فيما بينهم، بما في ذلك أندريه ودورين وهما في سن أصغر، ودور ابنهما، فضلاً عن أدوار ساعي بريدٍ ساخط، وطبيب، وممرضة منزلية. وهم ينتقلون من شخصيةٍ إلى أخرى بسلاسةٍ ويسر كبيرين نتيجةً لأقنعتهم الملونة الكبيرة النابضة بالحياة، على الرغم من الملامح المبالغ بها.
تعتمد المسرحية على تقليدٍ عريقٍ، بدأ مع السحر وطقوس الصيد واستمر حتى ممارسة الشعائر الدينية، التي أدت فيها الأقنعة دوراً بارزاً عبر الحضارات والتقاليد. وقد استخدمها المصريون القدماء لدى إعادة تجسيدهم لموت وقيامة أوزيريس، إله الخصوبة والبعث، كما استخدم قدامى الإغريق أقنعةً تعبيرية على خشبة المسرح، وكما هو الحال مع فرقة كولونكا، أتاحت الأقنعة للممثلين لعب أدوارٍ متنوعة كما سمحت للمشاهدين البعيدين عن الخشبة بمشاهدة الوجوه بوضوح أكبر. ويستخدم مسرح كابوكي في اليابان ومسرح الكوميديا المرتجلة في إيطاليا أنماطاً مكيفة من الأقنعة، وكتب كل من برتولت بريشت وجيرزي غروتوفسكي وجاك ليكوك أعمالاً أديت مع الأقنعة في القرن العشرين.

استلهمت الفنانة غاربين انساوستي، إحدى الشخصيات الرئيسية الثلاث في هذا العرض المسرحي، أعمال الكتّاب المذكورين أعلاه فضلاً عن عملها مع فرقة فاميلي فلوز المسرحية الألمانية لتشرع بالتجريب مع الأقنعة، التي تتيح للممثلين أن يستكشفوا بشكلٍ مباشر مواضيع من قبيل التقدّم بالسن، والمرض، والفناء، وخسارة الحب. وقد شعر مبتكرو المسرحية أنها تمنح طاقم التمثيل الحرية لتفسير تلك المواضيع الصعبة بليونةٍ وحسّ فكاهي. “إنه شعر الأقنعة” على حدّ تعبير انساوستي.

أندريه ودورين ومسرح الأقنعة.. عُرضت نحو 600 مرة في أكثر من 30 بلداً منذ 2010، وهي ستلقى صداها لدى أي شخص قيض له أن يعتني بمحبوب له عانى من الخرف أو من مرضٍ مماثل أو أن يعيش تجربةً خبت فيها جذوة العلاقة ببطءٍ مع مرور الوقت. ولا شك أن السفر حول العالم بصحبة خمسة عشر قناعاً كبيراً من راتنج البولي يوريثين، وهي أقنعة تشخّص وجوهاً بشريةً، قد استفز عدة محادثات غير مستحبةٍ مع ضباط الجمارك في المطارات وفقاً لما يرويه أفراد طاقم التمثيل، بيد أنه لا شك أيضاً أن صدى الرسالة التي ينقلها أفراد هذا الطاقم يعبر الحدود بسهولةٍ ويسر.

.

*شاعر ومترجم- سوريا

-لمتابعتنا على فيسوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى