إضاءاتالعناوين الرئيسية

أغاني الأمس واليوم .. مراد داغوم

|| Midline-news || – الوسط

.

أذكر في سبعينات القرن الماضي أنه درجت (شعبياً فقط) بعض أغنيات يمكنها وصفها موسيقياً وكلاماً بالـ “سافلة” على أقل تقدير. وما هي إلا امتداد لما سبقها في سنوات النصف الأول من القرن الماضي والتي كانت مجرد إثارة للشهوات وكانت تُطبع على أسطوانات في زمن يسمونه الآن: (الزمن الجميل) … لم يتصدَّ لها أحد حينذاك، بل لم يكن تعبير (أغاني هابطة) قد تم ابتكاره بعد. وفي ظني، أن هذا التعبير ابتكره طرابيش الموسيقا لمهاجمة كل ما هو حديث.

أرى أن للموسيقا -من بين ما لها- دور لقضاء حاجة روحية عند الإنسان، ومن الطبيعي أن تختلف هذه الحاجة الروحية عند المرء بحسب عناصر متعددة وهذا بعضها:
أولاً، المستوى الفكري والثقافي، وهذا بحد ذاته يتبع عدة متغيرات تحتاج لعدة صفحات لعرضها ومناقشتها.
ثانياً، طبيعة اللحظة المواكبة للسماع.
ثالثاً، المادة الموسيقية المتوفرة.

إنَّ وصْفَ ما لا نحبه من هذه الأنواع بأوصاف سلبية ينطوي على بعض الظلم ليس للموسيقا وحسب، بل للأحوال التي يمر بها الإنسان أيضاً. فكما أن صاحب “المراق” عندما تبدأ أمسيته مع “أركيلته” -أو ربما قدح مشروبه الخاص- بحاجة لسماع ما يحرك رأسه يميناً وشمالاً فيشغل جهازه لسماع أم كلثوم أو صباح فخري مثلاً. وفي المقابل، قد يكون هو ذاته ربما في حفل عرس أو عيد أو مناسبة ما، فهو الآن بحاجة لما يحرك خصره من طبل وزمر. هو ذاته قد يكون سائقاً لباص صغير في المدينة يدور ويدور في خط ثابت لذلك فهو بحاجة لأغان قد لا يعطي انتباهه لما تتضمنه من كلمات ولكنه بحاجة لـ: (طنطنة) تساعده على احتمال حال الجمود الذهني التي تعتري المرء في هكذا أحوال.

استناداً إلى ما أوردت أعلاه عن بعض عناصر الحاجة للموسيقا، أرى أن العنصر الأول هو أكثرها أهمية. المستوى الفكري الثقافي تابع لمتغيرات متعددة ومنها مثلاً: المدرسة، العرف، تأثير الطرابيش، معرفة وفهم الحاجة … الخ.
لا يوجد أي دور للمدرسة في نشر الثقافة الموسيقية، والأسوأ هو مصير مدرس الابتدائي الذي تسول له نفسه إعطاء حصة موسيقا! أما المنهاج الموسيقي المدرسي فهو المعقد (نسبياً) وتنقصه الكثير من جلسات التذوق .

أما العرف، فهو الطامة الكبرى! فقد ساد عرف عند العامة في القرن الماضي أن أغاني فيروز (مثلاً) هي للصباح فقط! ومن يجرؤ على سماعها في أوقات أخرى فهو “بهيم” في الاستماع! ولله الحمد فقد تغير هذا العرف بدءاً من التسعينات. أما تأثير الطرابيش فهو خطير أيضاً، فهم الذين “يقرروا” ما هو الصالح فنياً ما يمكن قبوله أو رفضه.

وبالتأكيد لن أنسى سبباً هاماً جداً من التدهور الفني وهو إنتاج الأغاني بربع ساعة. إن إنتاج الأغنية الذي ذكرته بأربع أيام هو جميل ورائع عندما تقارنه بفنان كل موهبته الموسيقية هي كومبيوتر وجهاز دي جي، ولحّق ان كنت تلحق على كل يوم ألبومين من أغنيات الراب.

.

*مراد داغوم .. مؤلف وموزع وناقد موسيقي – سوريا

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى