“تكريزة رمضان”..عادات محببة وتقاليد لاتندثر

|| Midline-news || – الوسط …
لكل مدينة عربية طقوسها وعاداتها الخاصة في التحضير لشهر رمضان وتعتبر من تراث الشهر المبارك. ولمدينة دمشق تقليد خاص بها يطلق عليه اسم “تكريزة رمضان” وهي عادة متبعة لدى الأسر الدمشقية، يقومون بها لتوديع شهر شعبان واستقبال شهر رمضان بفرح وسرور.
و”التكريزة” هي نزهة تقوم بها العائلات إلى خارج المدن، حيث يتم هذا “السيران الجماعي” في مناطق مطلة على مناظر الخضرة والمياه، لولع أهل الشام بالمياه والخضرة. ويتناولون فيها مختلف أنواع الأطعمة، ويمارسون الألعاب الشعبية، وغالبا ما تبدأ “التكريزة” في النهار وتنتهي بعد العصر بالعودة إلى منازلهم، وقد يجتمع في هذه النزهة الأقارب جميعهم أو تقتصر على الأسرة الصغيرة.
الباحث والمؤرّخ السوري “نصر الدين البحرة” وصف هذا الطقس والتقليد الدمشقي العريق بقوله: «هي من عادات أهل “دمشق” الجميلة والتي لم يعد يستطيع ممارستها في الوقت الحاضر إلا القليل من العائلات، التي مازالت محافظة على هذا التقليد الرمضاني، وذلك نظراً لهموم العيش ومشاغل الحياة، فقبل حلول شهر “رمضان” بخمسة عشرة يوماً تقريباً أو أقل، كان سكان “دمشق” يقومون بنزهات عائلية أو على شكل جماعات مع الأصدقاء إلى مناطق الغوطة الشرقية أو مناطق الربوة والشاذروان والمنشار والغيضة ومنطقة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وكان الناس ينتقلون إلى منتزهات “التكريزة” من محطة الحجاز حالياً… مما يروي ولع أهل “دمشق” بالخضرة والظلال، فتفترش كل جماعة جانباً من مكان مطلّ على مناظر الخضرة والمياه للتمتع بالنسيم العليل والماء المنساب بين الشجر والمناظر الأخاذة.
ويضيف المؤرخ “البحرة”: «من جهتها النسوة تنشغل في إعداد الطعام من أنواع المقالي وشواء اللحوم وغير ذلك، في حين يكون الرجال والشباب بين ورق اللعب وطاولة الزهر، وقد ينفرد البعض بالمساهمة مع النسوة في إعداد الطعام ولا يخلو الحضور من أحد الشباب المتبرعين بتقديم وصلة غناء على العود أو البزق والدربكة مع المواويل الشعبية”.
أما الباحث التاريخي “رامز عطا لله”، فيقول بهذا الشأن: «يسمي أهل “دمشق” هذه النزهة “تكريزة” وهو الاسم المستخدم عند بعض “المصريين”، كما تسمى عند أهل “طرابلس الشام”، “شعبونية” نسبة إلى شهر “شعبان”».
ويضيف “عطاالله “: «لم أعثر على أصل كلمة “تكريزة”، وأرجح أنها كلمة “سورية” قديمة قدم التاريخ، وبعضهم حولها إلى “كزدورة”، ولكن من المعروف أن “الكزدورة” هي لمشوار قصير المسافة بينما “التكريزة” لمسافة طويلة، حيث كانوا يخرجون إلى مصايف الربوة ودمر والهامة الأقرب إلى “دمشق” بالمسافة، وقد يبتعدون إلى عين الفيجة وأشرفية الوادي، ويفضل أكثرهم الجلوس على ضفاف الأنهار كنهر بردى وينابيع بقين والزبداني».
ومما ذكره أستاذ التاريخ “محمود دروش” عن ” تكريزة” أهل “دمشق” أنها: «غالباً ما تكون في أشهر الصيف وخلال الأيام المعتدلة، لأن الذهاب إلى المصايف غير ممكن في الشتاء حيث تنخفض درجة الحرارة إلى أقل من الصفر، و يودع الناس شهر شعبان استعداداً لصيام شهر “رمضان” المبارك، ويقضون نهارهم بالأكل والشرب واللعب، و تختلف نوعية الطعام عمّا يؤكل في رمضان، ويفضلون الأكلات التي تحتوي على زيت الزيتون كالمجدرة واللوبية والتبولة والفتوش، أو تحتوي على الزيت النباتي كمقالي البطاطا والباذنجان والكوسا، ولا بد في السيران من مشاوي اللحوم أو حوايا الخروف كالكبد والطحال والكلاوي ».
وقد لا تقتصر “التكريزة” على العائلات فقط، فقد دأب بعض أصحاب المهن اليدوية أو أصحاب الورشات والمعامل على اصطحاب عماله وموظفيه في نزهة وداعية إلى الربوة أو الغوطة قبل رمضان لقضاء ” سيران” جماعي وتناول “المشاوي والصفيحة”، ثم يقوم بتوزيع مكافآت مالية وبعض المواد الغذائية التي تعرف بــ”سلة رمضان” على الحضور تقديراً منه لعملهم.
وفي الختام، يذكر الباحث والمؤرخ “شمس الدين العجلاني” أن تكريزة رمضان هي عادة محببة لأهل دمشق، كان يقوم بها الفقير والغني، ومازالت بعض العائلات بدمشق تقوم بها كنوع من المحافظة على تقاليد الآباء والأجداد، وللتأكيد على صلة الرحم والقربى.
المصدر: مواقع الكترونية