إعلام - نيوميديا

البارزاني وكرد سوريا: الفرصة السانحة

سبق لـ البارزاني أن اقترح تشكيل “جيش كردي” من أجل “حماية وتحرير الشعب الكردي السوري”، يخضع للهيئة الكردية العليا، تنضم إليه “وحدات حماية الشعب”، ولا يخضع لحزب الإتحاد الديمقراطي. ولكن الحزب رد بمقترحين بديلين تمثلا بـ خضوع “وحدات حماية الشعب” لـ “الهيئة الكردية العليا” مقابل اعتراف الهيئة بأن “الوحدات” هي الوحيدة المسؤولة عن الأمن؛ وإدماج قوات البشمركة في الوحدات الكردية. ما أدى إلى فشل الإقتراح.

مثلت الأزمة السورية فرصة لتظهير وتعزيز رهانات كبيرة حول “الورقة الكردية”، وخاصة بين فاعلين رئيسيين يعدان نفسيهما أكثر أهلية وقابلية لذلك، وهما كرد العراق وكرد تركيا. وأما السيطرة الراهنة لحزب “الإتحاد الديمقراطي” في شمال سوريا، والذي يعد فرعاً أو امتداداً لـ “حزب العمال الكردستاني”، فإنها تثير ديناميات سيطرة معاكسة يقوم بها فاعلان متحالفان هما مسعود البارزاني وأردوغان. ولكن ماذا يريد البارزاني من كرد سوريا، وهل ينطلق في ذلك من طموحات كردية أم من متطلبات تحالفه مع تركيا وأطراف أخرى؟ وما الذي يمكن أن يعنيه له إنقلاب العلاقة بين دمشق وكردها، والضربات التركية لإدارة حزب الاتحاد الديمقراطي؟تعامل البارزاني مع الحدث السوري على قاعدة “الفرصة السانحة”، محاولا السيطرة ما أمكن على كرد سوريا، فقام بتشكيل “المجلس الوطني الكردي” في تشرين الأولأكتوبر 2011، وقدم دعما ماليا وسياسيا وعسكريا لكسب الموالين بين كرد سوريا، محاولا توجيه رسائل مركبة إلى دمشق وأنقرة وطهران وبغداد وكرد تركيا الخ بأنه الأقدر على الإمساك بالورقة الكردية في الأزمة السورية.  في 23 تموزيوليو 2012 أعلن البارزاني إن حكومة الإقليم تدرب مجموعات مسلحة من كرد سوريا تضم منشقين عن الجيش السوري، وذلك بإشراف “عزيز أويس” قائد “قوات زريفاني” وهي ميليشيات تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني – بارزاني. وذلك في ثلاث مناطق رئيسة هي:  معسكرات “الزيتون” في أربيل، و”فش خابور” في دهوك، و”الزمار” في نينوى.وقد كررت حكومة البارزاني وقيادة البيشمركة (السورية) القول أن دخولها إلى شمال سوريا بات وشيكا، وأنها “ستفتح معركة حقيقية مع قوات النظام (الجيش السوري)، الأمر الذي سيخفف الضغط عن قوات المعارضة على الجبهات الأخرى”. وأحيانا ما وجهت رسائل معادية للقوات الكردية المعروفة باسم “وحدات حماية الشعب”.تمكن حزب التحاد الديمقراطي من السيطرة على أجزاء كبيرة من المجال الكردي في سوريا، وطرح مشروع “الإدارة الذاتية” ثم “الفدرالية”، أما أحزاب “المجلس الوطني الكردي” فحاولت الدفع بكرد سوريا لأن يكونوا جزءا من المعارضة السورية، مثلما أن البارزاني نفسه هو جزء من التحالف الإقليمي والدولي المعادي لدمشق.وقد سبق لمجموعة الأزمات الدولية (ICG) أن وصفت الصراع بين كرد سوريا بقولها انه “يدور بين حزب قوي يرتبط بحلفاء ضعفاء، ضد تحالف ضعيف يدعمه حلفاء أقوياء”. (تقرير المجموعة، 22 كانون الثانييناير 2013)، وقد عاكست التطورات هذا التوصيف، فقد أقام حزب الإتحاد الديمقراطي “إدارة ذاتية” ثم أعلن عن “فدرالية” على أجزاء واسعة من الجغرافية السورية، وافتتح مكاتب تمثيل له في موسكو (تم إغلاقه لاحقا) وباريس وواشنطن، فيما بدا تحالف “المجلس الوطني الكردي” ضعيفا، وأنه موجود على الورق وكشوف الحسابات المالية والمنابر أكثر منه في الواقع.شجعت تركيا حليفها البارزاني لـلعمل على “احتواء” أو “ضبط” حزب الإتحاد الديمقراطي، لاعتقادها أن علاقات جيدة للحزب مع أربيل قد تمكن أنقرة من التأثير عليه بشكل أكبر. ولم يكن الحزب المذكور أقل براغماتية، ففي الوقت الذي كان فيه خطابه السياسي ينتقد بشدة سياسة تركيا تجاه سوريا وأكراد تركيا، كان قادة من الحزب، وخاصة زعيمه صالح مسلم، يجتمعون مع ضباط من المخابرات التركية للتنسيق في قضايا الحدود والمعابر والتجارة، وفي مداولات ومساومات سياسية في الموضوع السوري.تبقى مقاربة البارزاني أكثر تعقيدا مما يبدو، ففي الوقت الذي حاول فيه تعزيز تحالفه مع أنقرة، إلا أنه تحاشى بل تهيب  الدخول في صراع مباشر مع الحزب، إنطلاقا من اعتبارات عديدة، منها أن المواجهة غير مضمونة النتائج، بل تكاد تكون محسومة لصالح الحزب، نظرا إلى فوارق القوة بين الطرفين، الأمر الذي يهدد الطموحات الزعامية لدى الرئيس البارزاني، ذلك أن الأخير ربما يطمح لأن يكون “أب الكرد” أو “أتاكورد” على غرار “أتاتورك” في تركيا، كما أن أية مواجهة خاسرة، قد تزيد من الصعوبات التي تواجهه هو نفسه داخل الإقليم.سبق لـ البارزاني أن اقترح تشكيل “جيش كردي” من أجل “حماية وتحرير الشعب الكردي السوري”، يخضع للهيئة الكردية العليا، تنضم إليه “وحدات حماية الشعب”، ولا يخضع لحزب الإتحاد الديمقراطي. ولكن الحزب رد بمقترحين بديلين تمثلا بـ خضوع “وحدات حماية الشعب” لـ “الهيئة الكردية العليا” مقابل اعتراف الهيئة بأن “الوحدات” هي الوحيدة المسؤولة عن الأمن؛ وإدماج قوات البشمركة في الوحدات الكردية. ما أدى إلى فشل الإقتراح.واقترح البارزاني بعد ذلك تقسيم “كردستان سوريا” واقعيا، لتكون “عفرين” تحت سيطرة حزب الإتحاد الديمقراطي، و”القامشلي” أو “الجزيرة” تحت سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني (السوري) أو “المجلس الوطني الكردي” (أي سيطرة حكومة أربيل أو بالأحرى الحزب الديمقراطي الكردستاني – مسعود البارزاني). ولكنه مقترح بلا معنى تقريبا نظرا للقوة الكبيرة التي لدى حزب الإتحاد الديمقراطي. ولو تم هذا الإتفاق لكان شبيها بإتفاق تقاسم السلطة في إقليم كردستان العراق بين الحزبين الرئيسين هناك، حزب الإتحاد الوطني الكردستاني (سوران) والحزب الديمقراطي الكردستاني (بادينان). وبعد أن كان مشروع البارزاني لـ “الهيمنة” على كرد سوريا في مأزق، إذ لم تكن المواجهة المباشرة للقوات الكردية ممكنة، ولا الانسحاب ممكن، إلا أن الأحوال تغيرت جملة، كأنما مشروعه أمام “خلق جديد، ونشأة مستأنفة”، بتعبير  إبن خلدون، وذلك بعد إنقلاب العلاقة بين دمشق وكردها، و”التفاهمات السورية” بين أنقرة وكل من موسكو وطهران، والتي مهدت السبيل أمام عملية “درع الفرات” التي قام بها الجيش التركي ضد الكرد، بدءا من احتلال جرابلس السورية، وتوجيه ضربات جوية ضد “قوات سوريا الديمقراطية” التي يسيطر عليها حزب الإتحاد الديمقراطي، وطلب الولايات المتحدة من تلك القوات الإنسحاب إلى “شرق الفرات”.لم ينطو المشهد الكردي في سوريا على الكثير من المفاجآت السارة للبارزاني، إلا أن التحولات الحاصلة في العلاقة بين دمشق وكردها، والتغيرات الراهنة (و المحتملة) في موقف تركيا من المشهد السوري، وعمليات الجيش التركي ضد حزب الإتحاد الديمقراطي، تمثل “فسحة أمل” للبارزاني، بعدما عانى مشروعه في سوريا من “احتباس” الحيلة والوسيلة لفترة طويلة.وإذ يتعرض مشروع حزب الإتحاد الديمقراطي لضغوط شديدة، فإن من غير المتوقع أن يتمكن من “إحتوائها” و”التكيف معها” قريبا. هنا، تبرز – مرة أخرى – فرصة سانحة للبارزاني من خلال “المجلس الوطني الكردي” الموالي له، ولو أنه من غير المتوقع أن يتمكن من استثمارها في وقت قريب.هذا يعني أن سياسات الهيمنة على المجال الكردي في سوريا تدخل فصلا جديدا، ولا تشجع السرديات الكردية المعاصرة وتعقيدات الأزمة السورية وصدوعها وتحولاتها على استخلاص تقديرات بنهايات قريبة لها.
د.عقيل محفوض – موقع الميادين
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى