رأي

هل نحتاجُ  إلى معجزات كبرى !؟ .. هني الحمدان 

في عالم يموج بالحركة ويزخر بالنماء، تظهر لدى الحكومات برامج عمل ومستهدَفات لتكريس مفاهيم وأسس تعاطٍ جديدة للتوافق مع ما تفرضه المتغيّرات السياسية الدولية، وانسجامها مع السياسات والاستراتيجيات الداخلية.

الجميع متيقن أنّ لدى سورية الإمكانات المتوافرة للتقدم، وقدرات بشرية هائلة، تستطيع إذا تم استثمار الكفاءات منها محاربة الفساد، والتعافي من الترهّل الإداري، وتنظيم الحياة العامة بما يخدم المواطن بالطريقة المثلى.

لكن ربما ذلك لم يتحقق لأمرين، وربما يتفرع عنهما تبعات ومفردات أخرى، النقطة الأولى هي التراخي في تطبيق القانون بشكل حازم وقوي، والنقطة الثانية التي تعاني منها سورية في شكل مناصبها أن من يستطيع الظفر بكرسي المسؤولية، بطرق المحسوبيات أو الرّشا والدفع، يعمل من منظار أنها “وظيفة” ومكان للاستفادة وجمع أكبر قدر ممكن من المال والجاه فيما بعد، ولا ينظر لها على أنها مهمة يتوجب أن يعشقها انطلاقاً من عشقه وولائه لبلده، وأن يسخر ما يمتلك من خبرات ومعارف في سبيل الوصول إلى منظومة إدارية متطورة، تسهّل الحياة وتحقق العدالة والمساواة.

إن تحديث القطاع العام والتنفيذ الجيد بالأداء من قبل كل الإدارات قاسمان مشتركان مع كل خطاب رسمي، صحيح أن الإدارات تعمل وفق منطقهما، كونهما يعدّان أساس التقدّم في المسارات، وهنا السؤال: منذ متى وهذه الرؤى مطروحة، وكم مرة ناقشتها وأكدت على بلورتها الإدارات كبرامج عمل، وكم تم صرف اعتمادات إزاءها..؟!

الرؤية العامة والأساسية تتسم بالموضوعية والمنطقية، لكن الإدارات غرقت بالتفاصيل ، ولم تستطع التقدم المنشود في أي سياق، وبقيت تتذرّع بحجج بلا تقدم إيجابي، ولم تفلح بآفاق نهضتنا وتطوير أعمالها ولا إصلاح أخطائها، كثيراً ما تم التعويل على النجاح في التطوير الإداري، ومن دون النجاح بمنظومة التطوير الإداري ستبقى سوية الأعمال مترهلة، ولم تصل الإدارات إلى مستوى أكثر مقدرة على مجاراة ما يحصل في دول العالم، فكل ما عملت عليه الإدارات الرسمية لم يصل إلى مستوى الحكومة الواحدة، أي النجاح في التطوير الإداري ومشاريع الرقمنة، كرقمنة الخدمات الحكومية كافة، وغيرها من خدمات العصر الحديث، وما فرضته آخر المستجدات على الصعد كافة، وكيف ستسخّر الإدارات الظروف والوقائع المتغيرة مع سياساتها واستراتيجيات عملها، فتسهيل خدمات الناس، والمواءمة الحقيقية بين ما أفرزته مستجدات الأحداث على الساحة العالمية، وتحديات العصر الاقتصادية والاجتماعية والمعلوماتية تفرض نهجاً جديداً للعمل وفقه من جانب الإدارة الرسمية، لا أن  يتم إطلاق شعارات ذات عناوين عريضة، وعند السؤال عن المخرجات تأتي الإجابات صاعقة ومخيّبة للآمال.!.

هل النجاح الصحيح والكامل للخطط والمرامي التي ترتقي بسوية الأعمال وسوية الخدمات يحتاج إلى معجزاتٍ كبرى؟ مادام كل شيء موجود متاحاً، فلماذا كل هذا التعثّر ياترى..؟

للأسف، إمكانات مادية تذهب إلى غير أماكنها، ويتم التطاول عليها، وأشخاص فوق طاولات المسؤولية، لا همّ لهم بالوظيفة سوى ما تجنيه سرقاتهم وعقد صفقاتهم ونهب المال العام، إنه لأمر مخجل بحق ما يحصل، كيف سيقتنع مواطن أن يبقى مسؤول لمدة أكثر من عشرين سنة بوظيفة مدير .؟، كل شيء  بات ثمنه واضحاً، حتى الوصول إلى الكرسي..!

ماذا تحتاج إداراتنا وأعمالها وخدماتها..؟، وتالياً ماذا يحتاج المواطن ..؟، فقط الإخلاص والنزاهة والغيريّة، بعيداً عن الشخصنة وحبّ جمع المال العام وسرقته، الكلّ يحتاج لإدارات ومسؤولين، همّهم التفكير والتخطيط والتنفيذ، يعرفون من أين يبدؤون وصولاً إلى رسم خريطة طريق تحدد الأولويات والنجاحات التي تحصل في بعض الميادين.

بتنا اليوم بحاجة حقيقية للأمل الذي يحيي النفوس، بحاجة إلى الإنجاز النظيف لكي تمحى كل الخطوات المشوّشة التي لم تكن سليمة، وما سببت من مضايقات على المواطن .!.

 

إقرأ أيضاً .. جوع وهجرات تتسع .. من سيقرع ناقوس الخطر لوقف النزيف الدامي..؟!

إقرأ أيضاً .. “الحالة السورية” .. استشراف للواقع والمستقبل ..

 

*إعلامي – رئيس تحرير صحيفة تشرين السورية سابقاً
المقال يعبر عن رأي الكاتب

 

صفحاتنا على فيس بوك  قناة التيليغرام  تويتر twitter

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى