رأي

“السبيل الوحيد” من هانوي حتى كونيكو .. غسان أديب المعلم

بالتأكيد، إنّ الفرق شاسعٌ بين رقم ثمانية وخمسين ألف قتيل في هانوي، وبين ستة جرحى أو أكثر بقليل في كونيكو، وقولاً واحداً، إنّ الفارق الأكبر يكون في جيل الحرب، وبين أن تكون حرباً أو احتلالاً من فئة الكلاسيك، إلى حروب واحتلالات الجيل الرابع أو الخامس التي لا تحتاج لمشاركة جنديّ واحد على أرض المعركة!.

والأهم هو النتيجة أو الخلاصة بالوصول إلى الهدف المنشود المستقبليّ وليس الآنيّ، فعلى سبيل المثال وحول الجدل الذي مازال مستمراً بين العسكر والساسة حول النصر أو الهزيمة الأمريكية في فيتنام، فما زال الرأي بأنّ أمريكا لم تخسر أيّ معركة ثابتة كبيرة، وأن الهدف من الانخراط في المعارك أو الاحتلال هو تأمين الهدف السياسي لاحقاً، وأن الحرب العسكريّة هي حرب سياسيّة ولا حاجة للتقييم، لأنها تعدّ من أعمال العنف لإجبار العدوّ على تنفيذ الرغبات، وهي نظرية أمريكيّة لصاحبها “كارل فون كلاوزفيتز” والذي اعتمد على كلامه الرئيس الأميركي “جيرالد فورد” في العام 1975 وناور في خطابه بأنه يمكن لأميركا أن تستعيد الشعور بالفخر الذي كان موجوداً قبل هذه الحرب، وأنه على الرغم من مأساوية الحرب، إلا أنها لا تنذر بنهاية العالم، وحتى بقيادة أميركا لهذا العالم!.

وظهرت بعد ذلك النتائج، وأقصد السياسية أو كما اعتبرها الكثير من المنظّرين الأمريكيّين بأنها كانت البداية لتفكيك العدوّ المحتمل الأكبر لأمريكا في ذلك الحين، أي الاتحاد السوفياتي السابق الذي خاض حرب الاستنزاف الباردة معها في كثير من الأماكن، وانتهت جميعها “سياسيّاً” إلى تفكّك الاتحاد السوفياتي!.

لكن ماذا عن فيتنام!؟..

لقد انتصرت فيتنام – رأي شخصي –  رغم الآلاف المؤلّفة من الشهداء أثناء المقاومة والتحرير قياساً لتعداد خسائر جيش الاحتلال الأمريكي، وأنها نالت الاستقلال واستطاعت توحيد الأجزاء المُقتطعة وبادرت إلى النهوض وأصبحت بالفعل دولة مؤسسات مستقلّة لها وزنها وثقلها ومكانتها ودورها في العالم، وربّما كانت بهذه النتيجة نقطة التحوّل في العقلية الامريكيّة للاتجاه نحو الحروب الجديدة بعيداً عن الخيار العسكريّ المباشر على الأرض حتى تأمين الساحة والمساحة الحدودية المحيطة بالقواعد بحفنة من العملاء والمرتزقة ليتحقّق الهدف السياسي الأبعد بخسارة عسكريّة قليلة بل متناهية في الصغر..

والدليل: أن أمريكا خسرت في حربها واحتلالها للعراق قرابة الأربعة آلاف جندي، وكانت القواعد العسكريّة متخمة بالخونة الأذلّاء كحائط صدّ وخط مواجهة أول!، بما في ذلك القاعدة السياسية “المنطقة الخضراء” في بغداد، والتي عملت ضمن أروقتها على الاحتلال “غير المباشر – البعيد” عبر فرض دستور “بريمر” وبعدها كانت الخطط العسكريّة المُسمّأة بـ”إعادة الانتشار”.

الأمر ذاته حدث في أفغانستان، وهذه المرّة تقلّص عدد الجنود الأمريكيّين القتلى إلى ما يُقارب الألفين من الجنود، كان الانسحاب العسكريّ بعدها، بعد تأمين المنطقة مع العدو المفترض “طالبان”، وبعد ضمانات الحركة بعدم سيطرة تنظيم القاعدة على أماكن الانسحاب!، وكأنّ حركة طالبان أضحت من الأنبياء والمرسلين.

بالأمس، وتحديداً ليلة الجمعة-السبت، تناقل عددٌ من المواقع أخبار القذائف والصواريخ المنهالة على القواعد الأمريكيّة في مدينة دير الزور وبادية حمص والمناطق السوريّة الواقعة تحت سيطرة ما يُسمّى جُزافاً  “الحكم الذاتي”، وتضاربت الأقاويل حول المُنفّذ لهذه الضربات، وأغلب ما تمّ تداوله هو الفصائل التابعة للأصدقاء أو كما يُطلق على المجموعات الإيرانيّة المتواجدة في تلك المنطقة، رغم أن خسائر الضربات كانت من السوريّين للأسف، وهذا الأمر أصبح “مُعتاداً” رغم مرارته وقسوته!.

ورغم أنها “استمرارٌ” لمحاولات خجولة اعتاد الإعلام على ترديدها وترويجها بأنّ هناك بالفعل “مقاومة” وأن هناك خسائر بالأرواح ومنشآت القواعد الأمريكية، ربما لرفع الحالة المعنوية المنهارة نتيجة ما تمرّ به البلاد من تداعيات على كافة الصُعد.

وهنا، وعند هذه النقطة بالذات، وأقصد الحالة المعنوية المنهارة، أجزم بأنّ نفوس السوريّين بأكملهم ودون نقصان لا ترى ملاذاً دونما الحرب وردّ العدوان مهما كلّف الأمر، ولو كانت عبر كلاشينكوف أو قنابل المولوتوف لتنتهي هذه المهزلة والحجّة، فالتاريخ واضح وجليّ، وأمريكا لا تنسحب من أيّ بقعة جغرافيّة إلّا على جثّث جنودها، حتى لو كانت نظريّاتهم تتحدّث عن الانتصارات السياسيّة اللاحقة!.

فما يهمّنا كسوريّين، هو استعادة الأرض وصون العرض وبناء دولة مؤسسات حقيقيّة بعيداً عن تقاسم الكعكة بين الأفرقاء من أصدقاء وأعداء، ومن يتماهى مع مخططاتهم داخل البلاد، وبعيداً عمّا يضمرونه مستقبلاً لتفكيك وخراب سوريا، لأنها لم ولن تنجح لو كانت المبادرة للتصديّ والمقاومة سوريّة حقيقيّة جامعة منضوية تحت مشروعٍ وطنيّ جامع ينقذ البلاد والعباد من الاحتلال والفساد..

المقاومة الحقيقية تعتمد الإنسان قبل السلاح، والإنسان في وطننا بات مقهوراً جائعاً يعاني المرارات ممّا لم يتذوقّه شعبٌ آخر في طول الكرة الأرضية وعرضها، وفي أيّ زمان، نحن بحاجة إلى المشروع المقاوم الحقيقيّ قبل فرض مشاريع ودساتير الأعداء علينا حتى ولو انسحبوا عسكريّاً..

المقاومة مشروع، وأساس بنيانه قائم على الغيرة والشرف والكرامة والعدل والتنظيم والقانون، والسوريون أهلٌ لذلك، والمقاومة يجب أن يكون عمادها السوريون المؤمنين بسوريانا، وأنّ لا سبيل لطرد أمريكا وغيرها سوى المقاومة السوريّة الحقيقيّة التي لا تكتفي بالرسائل السياسيّة ولعب الورق ورقة مقابل ورقة بين اللاعبين، بل يكون الهدف بداية الطريق للبناء والارتقاء بعد سنواتٍ من الخذلان والمرار بسبب ماعانيناه من حروب واحتلالات وتراكمات للفساد، أضحى وطننا بسببهم جميعاً على حافّة الانهيار..

وأسأل في النهاية “سلطة البصل”، ماذا لو كانت رسالة بطاقة التكامل على النحو التالي لكل المواطنين دونما استثناء: استلم مخصصاتك من الكلاشينكوف والمولوتوف من أقرب صالة .. فهل ستقوم لأمريكا وغيرها قائمة!؟.

رحم الله الشهداء والشفاء للجرحى .. وسلامتك يا وطن ..

 

إقرأ أيضاً .. “الارتدادات الواجبة” ..

إقرأ أيضاً .. “جردة حساب” ..

 

*كاتب وروائي من سوريا – دمشق
المقال يعبر عن رأي الكاتب

 

صفحتنا على فيس بوك  قناة التيليغرام  تويتر twitter

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى