إضاءات

نحن والزلزال … أحمد علي هلال

في أزمنة مضت، عبرت ذاكرة العالم أوبئة وكوارث، مختلفة لم تبتدئ فحسب بأزمنة الطاعون والكوليرا ولن تنتهي بزمن كورونا، ليأتي زمن استعادة الزلازل التي أعادت نشاطها بعد مئة عام ونيف، في لحظة قدرية فارقة، وستتبدى «ثيمة» «الزلزال» كعنوان لأزمنة جديدة، ستصبح «تمثيلاً لإشكاليات مختلفة» كما قيل عن الأزمنة الماضية، بل أكثر من ذلك سؤال كبير:
كيف ستتصادى هذه اللحظة الزلزالية بفواجعها التراجيدية والإنسانية، في الأدب والإبداع، ارتقاء بوعيها وتجاوزها واستشرافها، تماماً كما فعلت سرديات –تلك الأزمنة- وسواها من أجناس إبداعية مختلفة، بعيداً عن متعاليات ما اصطلح عليه بـ «الديستوبيا» أي المستقبل المظلم؟!.

نحن والزلزال.. كيف سيمكن لإبداعٍ مختلف أن يلتقط تلك المحكيات السورية، بثنائيات المأساة والأمل وكيف تولد طفلة تحت الركام، وتبثّ الأمل وردة تشق بقية من جدار، عن بشر كانوا هنا، تركوا حيواتهم لتُصبح ذاكرة، عن رجال سقوا الفولاذ، ليفتحوا في المدى لصوتٍ يقول إنّا هنا، عن سياقاتٍ الكارثة والأمل، وعن تواتر محكيات ستفيضُ بها شهية التدوين، عن بطولات استثنائية…

بماذا سيحدثنا الناجون، مهلاً ربما يقالُ إننا في ظل صدمة/ واقع، فأنى للتخييل أن يؤتي أكله، أليس –الواقع- قد فاق هذا التخييل قدرة وسعة، ولابد لبعضٍ من الوقت حتى تلتقط الأرض التي اضطرب إيقاعها، أنفاسها! بمعنى لابدّ من التوثيق والتسجيل، لنصل إلى ذلك التخييل «الباذخ»، وعليه فإن ما ستشتغل عليه السرديات مثلاً، في هذا السياق هو من سينتظر وقتاً بعينه، ليكون الأدب هنا، كما قال الفيلسوف الفرنسي «روني جيرارد»، «هو الوجه المشرق من الكارثة»، أدب ذو حساسية فائقة وإبداع ينتصر للإنسان، هو الأقدر على استبطان الحدث وصيروراته في الوقائع الدالة على يقظة روح الإنسانية، لنعر قوس الدلالة بين «ثيمات» أزمنة الطاعون والكوليرا وكورونا.

وبعيداً عما ذهبت إليه رواية حملت عنوان «الزلزال» لواسيني الأعرج، وما سنصطلح عليه «دفتر أحوال الزلزال» محاكاة لما كتبه «دانييل ديفو» ذهاباً إلى متخيل الزلزال، وما يعاضده من وظائف الفن والأدب، في لحظة فارقة، عمرها الزمني ثوانٍ معدودات، لكن ارتداداتها من ستقطفُ نجمة التأويل، من تشكيل الحواس، إلى سبيل الرؤيا.
نحن والزلزال بانتظار الكثير من الأدب!
.

*كاتب وناقد فلسطيني- سوريا

.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى