محمد خير جراح: هذا سرّي الذي يدركه الأذكياء! ومتجه بقوة نحو الغناء

محمد خير جراح.. النجم الذي اتفق الجميع على محبته وتقديره، كونه الفنان القريب من القلب، والظريف الطريف الذي يخلق روحاً موازية لأي شخصية يقوم بأدائها.. ولا يكتفي أن يترك نفسه (محمد خير جراح) خارج استوديو التصوير، بل يترك كل الشخصيات التي سبق أن قدمها، ويتفرغ للشخصية الجديدة بكل أدواتها ومشاعرها وحركاتها ولباسها وسلوكياتها. لأنه ضد تكرار الكركترات، وصانع الابتكارات.
يبحث نجمنا عن التميز دائماً. وهذه السمة ليست جديدة عليه، فقد أدرك منذ شبابه المبكّر وخوضه لعالم المسرح مع والده الفنان الكبير الراحل عبدالوهاب جراح، أهمية التميز، وأهمية أن ينعكس ألقه كفنان على المتلقي سواء كان مشاهداً في بيته أو ضمن جمهور المسرح. وهذا ما جعل منه فناناً عريياً، تستقطبه الإنتاجات الفنية في لبنان والاردن والإمارات وغيرها..
.

“المسرحي محمد خير جراح”
– لن أخوض معك في البدايات، لكن سؤالي الأول ينطلق منها: هل كنت تعتقد حين كنت في المسرح الجامعي بحلب، أنك ستصل إلى ما أنت عليه الآن من نجومية؟
- في بداياتي بالجامعة، لم يكن لدي الهاجس أن أصل إلى موقعي الآن.. كنت أحب المشاركة في الحفلات وعروض المسرح الجامعي وأستمتع بوجودي على خشبة المسرح واستعراض أدائي أمام الجمهور. لكن الخوض الواسع في عالم التلفزيون لم أكن أفكر به.. بصدق لم يكن هذا هدفي. فيما بعد انتقلت القصة إلى التلفزيون والإذاعة وبعض التجارب في السينما.. ومع كل خطوة إلى الأمام كان تنفتح لي مساحة، وكل خطوة تليها كانت تنفتح لي مساحة أخرى أوسع.
وهكذا أحسست انني أخذت مكاناً لطيفاً في الساحة الفنية تحبه الناس وله خصوصيته وتميزه ولا يشبه أحد، وهذا ما يهمني. ليس من باب الفوقية والتعالي بل الاختلاف، لأن في الاختلاف جمال.
.

– إنما بذلت جهوداً وثابرت كي تحقق لنفسك مكانة في الفن السوري، دعنا نُذكّر الجيل الحالي، كم استلزم محمد خير جراح ليصل إلينا، على الرغم من كونك ابن الفنان الحلبي الكبير عبدالوهاب جراح؟
- نعم، مشواري حقيقة طويل جداً.. كوني بقيت لفترة طويلة أعيش الفن كهواية لا مهنة أو احتراف. على الرغم من كوني ابن الفنان عبدالوهاب جراح، الممثل والمخرج والمعدّ والمنتج المسرحي ومؤسس فرقة “المضحك المبكي”. والذي كان يقدم كل عام عرضين أو ثلاثة في حلب التي لم يرغب بمغادرتها.. وعمل مع الفنان القدير الأستاذ دريد لحام حين مثّل في مسرحية “شقائق النعمان”.
أنا عشت في كنف هذا الرجل المسكون بالفن والمسرح، والذي يتمتع بحضور فني جميل وحيوية وتميز ومحبوب في الأوساط الفنية، لكنه ظل رهين مدينة حلب التي لم يرغب بمغادرتها! وحين بدأت الحركة الفنية التلفزيونية تنشط في مطلع التسعينات، وبات وجوده في دمشق مطلوباً، رحل عن دنيانا شاباً.. كنت قد تخرجت من كلية الاقتصاد قسم إدارة الأعمال، وخضت عدة مجالات عمل قريبة من الفن، ومنها تجاري كتصنيع الألبان والأجبان. لكن حين وصلت إلى قناعة بأنه علي أن أكمل في الفن، قررت القدوم مع عائلتي إلى دمشق في صيف1997.
تمثلت الصعوبة حينها في أن الناس لا تعرفني في دمشق! فأنا نجم في مسارح حلب، وكان علي أن أبدأ من الصفر وأحاول هنا وهناك وهنالك في المسرح والإذاعة والتلفزيون.. لكن دمشق فتحت ذراعيها لي واحتضنت موهبتي وحبي للتمثيل سواء في المسرح أو التلفزيون.. وهكذا خطوة تلي خطوة، وكل خطوة أو نجاح كانت تزيل عقبة أو صعوبة.. خاصة أنه سبق لي حينها تقديم عدة أدوار صغيرة في (خان الحرير- أيام الغضب- الثريا). وقدمت أعمال مسرحية مع الفنانين د.تامر العربيد ومحمود خضور، ومسلسلين مع الأساتذة محمد الشيخ نجيب ومأمون البني، وكما أسلفت كل خطوة كانت تليها خطوة أكبر وأكثر نجاحاً.
.

“سرّي الذي يدركه الأذكياء”
– يبدو أن ثمة ما يشدك إلى المسرح، وتقديم مسرحيات كوميدية وناقدة، لعل المسرح عشقك الحقيقي، أم هدفك لقاء الجمهور، أم لمجرد دخل مادي؟
- كما أسلفت، نشأت في المسرح مع والدي. قضيت طفولتي والفتوة والشباب على مسرح نقابة الفنانين بحلب. أي عشت تلك المراحل أشارك في التمثيل وفي الديكور والإضاءة وأعمال الإخراج وفي شباك التذاكر وكإداري ومحاسب…
أنا محمد خير جراح أنتمي للمسرح والخشبة بشكل مبكر من عمري، لا يوجد تفصيل أو عمل في المسرح لم أقم به. وكنت ألمس ألق الممثلين وانعكاسه المباشر على الجمهور، لهذا أحببت المسرح والعروض أمام الجمهور مباشرة.
التلفزيون- الشاشة الفضية؛ تضع حاجزاً بين الممثل وبين المشاهد. أما المسرح فنكون على تماس مباشر مع الجمهور، انعكاس أداءك تراه في ملامحه ومشاعره وردات فعله.. وبالمناسبة سأعيد إحياء مسرحية “سلطان زمانه” التي قدمتها قبل نحو 3 أعوام في دمشق، لأن العرض ظلم وبحاجة لمساحة عرض أوسع، والأخبار عنه قريبة وليست بعيدة.. رغم أن المسرح لا يجلب المال، الدخل المادي في المسرح أقل بكثير من دخل التلفزيون والسينما.
– في انطلاقتك التلفزيونية، بدا للمشاهد أنك تطرح نفسك كوميديان من طراز خاص، وقدمت العديد من الأدوار والشخصيات في هذا الإطار في التلفزيون وحتى المسرح. ما سرّك مع الكوميديا خيارك الأول رغم كونها “غير آمنة” أو لنقل صعبة؟
- لم أطرح نفسي بداية ككوميديان! لكن المخرجين استقطبوني إلى أدوار كوميدية، كونهم شاهدوني في أعمال مسرحية مثلاً مع د.العربيد في المسرح القومي، ووجدوا بي كوميديان من طراز خاص، غير مألوف.. أقدم كاركتيرات مختلفة. في كل دور هناك كاركتر مختلف عن سابقه، هاجسي أن لا أكرر الكاركتر والأدوات والضحكات والنظرات. وهكذا رأى المخرجون بي ممثلاً كوميدياً متميزاً ومغايراً، رغم أنه -كما تعلمين- لدي أعمال مهمة في الدراما بل والتراجيديا.
وهناك بعض القصص أمتلكها تميزني ربما “اللهجة الأرمنية” التي أقدمها، والخوض في “اللهجة الحلبية” بطرافة وتحبب. اللعب على الشكل والجستات والمفردات والملامح لعبت دوراً لاشك. وهو سرّ يدركه ويلاحظه المخرج والمشاهد اللماح الذكي.
ثمة ممثلين ونجوم على صعيد الوطن العربي يقدمون أنفسهم ككوميديانات، لكنهم يتأطرون في كاركتر واحد يتمسكون به ويستنسخون أنفسهم (ذات ردات الفعل والنظرات والضحكات). في المقابل ثمة ملاحظة هنا مهمة، أننا نجد الكثير من الفنانين في سوريا ينبذون التكرار ويمتلكون أجهزة تنويع في شخصياتهم أدائياً وشكلياً.
.

“الكوميديا تفتقر إلى الحرية”
– بما أنه ثمة إصرار على كون محمد خير جراح -غالباً- فنان كوميدي، كيف تنظر إلى واقع الكوميديا في سوريا؟
- بصراحة، المخرجون لا يغامرون، يعملون مع شركات الانتاج على الجاهز. يستقطبون نجوم الكوميديا. علماً أن الكوميديا عدة أنواع، كوميديا الأفيه- الكلمة. وكوميديا الموقف. وكوميديا الكاركتر. وأنا أحب وأتميز بهذه الأخيرة. لكن الإنتاج الكوميدي ضعيف! وقد تاهت بل تهشمت البوصلة خلال الحرب على سوريا. صحيح هناك إنتاجات كوميدية، لكنها تفتقر إلى حرية تعبير، ليس فقط سياسية، بل اجتماعية وإنسانية.
عالم الكوميديا يجب أن يكون أفضل ويكون جزء من التشكيلة التي تقدمها الدراما، لكننا ابتعدنا عن التاريخي والكوميدي والاكشن وووو. بينما الكتّاب “ملتهيين” الآن بقصص أخرى- وهذا بحد ذاته حالة كوميدية!
.
– يُلاحظ مؤخراً، أن ثمة قاعدة شعبية باتت لك في الأوساط الفنية العربية، بلاد الشام والخليج، تحديداً الإمارات. وأنا لا أظن أن “باب الحارة” هو العامل الوحيد في اتساع رقعة انتشار اسمك، هل توافقني؟
- شخصية أبو بدر كان لها دور كبير جداً في وصولي إلى مساحة أكبر في الوطن العربي. ولفتت الانتباه إلي كممثل. كان دوري “ثانوي”، ثم بدأ يتحول إلى شخصية أساسية، و”بطل” ينتظره المشاهد من جزء إلى جزء.
الملفت لدى الناس، أن ما ينتبهون إليه هو حالة التنوع في الكاركترات التي أعملها وأقدمها، لذلك يتفاجئون حين يرونني على أرض الواقع. بذا أنا أتفق معك أنه ليس “باب الحارة” فقط هو العامل الوحيد في اتساع شهرتي، لكنه كان الدفعة أو الموجة الأولى لي بلا شك.
.

“زوجتي تشاركني السراء والضراء”
- أنت فنان تُدخل السعادة إلى قلوب كل من يشاهدك، حتى لو كنت تؤدي شخصية صامتة! ما هي أحزانك وآلامك، وأين تخفيها؟
الحقيقة الأحزان والآلام موجودة لدى الجميع.. لاشك لدي أحزان وهموم، وفي الحرب فقدنا أعزاء، وتغيرت الأحوال..
لكنني أحرص حرصاً شديداً أن لا أصدر أحزاني خارج دائرة ضيقة، أي خارج محيط أسرتي. زوجتي رفيدة شاركني كل ما يدور ببالي ويختلج في نفسي في السراء والضراء.
– طرقت مجالات الفن عبر قنوات المسرح والتلفزيون والإذاعة والدبلجة وحتى الأغنية والبرامج، لماذا أنت مقل في السينما، لم نرك بعد فيلم الآباء الصغار؟
- صحيح خضت جميع تلك المجالات واستمعت فيها.. لكن بخصوص السينما، نجد الإنتاج السينمائي في سوريا ضعيف جداً إن لم نقل “ميت”، فهو محصور في “المؤسسة العامة للسينما” وهي لا تحقق مردودات مادية، وليس لها جمهوراً كبيراً. كما كانت لدى مخرجي السينما مشكلة أو رغبة في الابتعاد عن ممثلي التلفزيون!
.

“متجه بقوة نحو الغناء”
– خلق محمد خير جراح شخصية خاصة في مجال الأغنية -تحديداً الأغنية الناقدة والمرحة “المونولوج” لماذا خلال مسيرتك الفنية الطويلة لم تطرح ألبومات تؤرشف أعمالك الغنائية؟
- قدمت أغنيات لاقت الاستحسان، ويبدو لي سأظل أعمل على هذه الفكرة طويلاً وبقوة.. هناك عدة مواضيع وأفكار لدي في مجال الأغنيات والمونولوجات. خاصة أن المونولوج اختفى تقريياً من حياتنا الفنية. وكان في السابق فقرة أساسية في الحفلات والمهرجانات الفنية، إذ لا بد من فقرات المونولوج قبل أن يقدم المطرب أو المطربة وصلتها الغنائية. لكن ظهور “الستاند اب” أزاح المونولوج، وحلّ محله.
طبعاً، توجهي إلى الأغنية يتيح لي تمرير ما أريد قوله، أو التعبير عنه في مساحة حرة، لا تتيحها أحياناً باقي الأعمال، كما أن الأغنية تصل إلى المتلقي ويتذوقها. لكن من الصعب طرح ألبومات في هذه الفترة، لذلك أطرح بين آونة وأخرى أغنية ناقدة أو مرحة لا تخلو من طرافة وحس اجتماعي. ومنذ مدة قريبة أطلقت في إمارة دبي “ميني ألبوم” ضم 4 أغنيات. وهناك أغنية خامسة في الطريق إلى طرحها.
– هل ثمة برامج أو عروض أو أعمال تقدمها في الإمارات التي طالت إقامتك في ربوعها؟ ثم في أي الأعمال سنراك في شهر رمضان المبارك؟
- أتنقل بين سوريا الاردن ولبنان وتركيا، لكن مستقر في الإمارات بعض الشيء. فلدي برامج وحفلات وأنشطة فيها.. وهناك مشروع حفلات ضمن “شو غنائي”.
هذا العام؛ لم أقدم أعمال كثيرة لشهر رمضان بناء على رغبتي. هناك فقط مسلسل رمضاني “جلطة” الموسم الخامس مع تلفزيون رؤيا، اليوم أنهيت تصويره.. تأليف وفاء بكر، إخراج محمد الحشكي.
وقريباً لدي برامج ومسرح ومفاجآت في رمضان وبعد رمضان، عساه شهر كريم على الجميع.
.