محمد المر المهيري: الآداب والفنون تبني الإنسان .. ولا غنى لي عن الشعر

الآداب والفنون تبني الإنسان .. هوذا المنطلق الذي ينطلق منه الشاعر الإماراتي الكبير محمد المر المهيري، الذي اتسمت تجربته في الشعر الشعبي “شعر نبطي” بجديد الأفكار وجودة الأشعار، وحققت حضوراً لافتاً، كون شاعرها اعتمد على تثقيف الذات واستمرارية الاطلاع على تجارب الغير في كل مجالات الشعر: الشعبي والفصحى- العمودي والفعيلة- العربي والغربي.
المهيري ، نسيج وحده، ويترك بصمة في كل مجال يطرقه، سواء كشاعر أو رئيس لجنة تحكيم مسابقات شعرية أو نجم أمسيات شعرية… ويمثل وطنه في محافل الشعر، بوصفه أحد أهم الشعراء المتوجين بالشعر والثقافة والحضور المتألق.
.

بداية غير متوقعة
بدايتك في عالم الإبداع، لم تكن مع الشعر! بل الرسم. لذا قبل التطرق لتجربتك الشعرية، أخبرنا عن تلك الهواية، وكيف كان التحول باتجاه الشعر؟
-صحيح، كانت هوايتي في البداية هي “الرسم” حتى أنني شاركت في معارض للمبتدئين، وكانت الشرارة الأولى هي اهتمام مدرس التربية الفنية في هوايتي وتشجيعي، ما ساهم في اتجاهي إلى فن الرسم. لكن طغت فيما بعد موهبة الشعر، خاصة أنهم في عائلتي يرتجلون الشعر، فأثر ذلك بي كثيراً، وبدأت أرتجل بضعة أبيات شعرية، ثم تطورت أدواتي ولغتي وقصائدي.
مع بروز موهبتك الشعرية قبل نحو ثلاثة عقود، مررت لا شك بعدة مراحل وصولاً إلى ما نراها عليه الآن، ماذا عن تلك المراحل؟
-في بداية مشواري مع الشعر، أخذ الشاعر محمد الهلي “رئيس مجلس شعراء دبي” بيد قصيدتي، وشجعني انطلاقاً من إحساسه أنني أملك موهبة وشغفاً، فحرص على مشاركتي في برامجه وصفحاته.. وفي مراحل لاحقة رشحني لمشاركة شعرية في فعاليات “مؤتمر مجلس التعاون الخليجي” في أبوظبي. بعدها كانت الاستمرارية عبر الحضور في الصفحات التي تُعنى بالأدب الشعبي، وكان للشاعر الراحل حمد بوشهاب، ثم الشاعر راشد شرار الدور الأبرز في مواصلتي هذه الدرب، إلى أن توسعت مشاركاتي في عدة مطبوعات محلية وخليجية، أهمها صحيفة “البيان” ومجلة جواهر التي يديرها الشاعر سيف السعدي.
.

عملية بناء القصيدة
منذ ظهورك إعلامياً كانت قصائدك ناضجة متفردة.. لعلك تدربت كثيراً وكتبت وأخفقت، ثم تأكدت من قصائدك قبل نشرها؟
-سأكشف لك سراً. قبل شروعي في النشر، كنت أرتجل الأبيات، وأنسبها لأصدقائي خشية أن تكون ضعيفة أو ركيكة، فإذا كانت قوية ومتماسكة بحسب الآراء، كنت أنشرها بعد ارتياحي للأصداء. مع ملاحظة أن الشاعر الذي يكتب لمجرد النشر والظهور هو شاعر مصطنع غير حقيقي! لأنه أثناء كتابة القصيدة يفكر في نشرها وكيفية إخراجها، متجاهلاً المشاعر.
المتابع لتجربتك، يلمس مدى حرصك على عدم التشابه والتماثل مع زملائك الشعراء، خاصة مع اتساع رقعة الشعر الشعبي، واعتباره أكثر أنماط الإبداع انتشاراً في الإمارات؟
-لاشك أن هناك الكثير من زملائي الشعراء والشاعرات يتصفون بالإبداع والتميز، وبالطبع لم تكن استمراريتي سهلة وسط قوافل منهم، يعتمدون على البيئة المحلية ومفرداتها وأفكارها التي أحبها وأرى صواب توجهي فيها وإليها، ما دمت قادراً على إيصال مفردات اللهجة الإماراتية بكل خصوصيتها إلى القارئ الخليجي والعربي على حد سواء، عبر أفكار مغايرة متفردة. فاللغة أو اللهجة واحدة، لكن الأفكار والصور الشعرية وكيفية استخدام تفاصيل البيئة المحلية هو الثلاثي المهم في عملية بناء القصيدة.
.

البحث عن التجديد
هل يزعجك أن يكرّس الشعراء الشباب قصيدتك نموذجاً لهم، حتى لو كانت عصية على التقليد؟
-أوافقك في ملاحظتك.. وبكل تواضع، المتابع للساحة الشعرية الإماراتية سيدرك مدى تأثير قصائدي على البعض خاصة الوطنية، فهناك كثر من الشعراء تأثروا، بالجو العام لقصيدتي. رغم أنني أتوق إلى رؤية العديد من الحالات والتجارب الشعرية التي تكشف عن تطور وتجديد.
لغة قصائدك وأفكارها؛ تدفعني للسؤال عن مدى استفادتك من القراءات في بطون الدواوين والتجارب الشعرية التي سبقتك؟
-الموهبة تشبه البذرة والغصن الصغير اليانع.. والقراءات تشبه الغيث وتزيد من حيويتها ونموها. لذا تصقل القراءات التجربة الأدبية على اختلاف نوعها، وهذا يتأتى بشكل تلقائي، لأن الشاعر بطبيعته هو قارئ للشعر والكتب بمختلف أنواعها. وبتقديري تتجلى الاستفادة في التثقيف والتنوير والمعرفة، لأن شعاري الآداب والفنون تبني الإنسان .. وبذا أرفض التأثر الذي يكون على شكل تقليد! وليس على هيئة اطلاع وتعلّم!
.

أنماط وعناوين القصائد
أنت مقلٌّ جداً في الشعر العاطفي والغزلي.. وتتسم قصائدك بالحكمة والنصح، مثلما تكشف عن عمق التجربة الحياتية، بحيث يرى فيك البعض “طرفة بن العبد”؟
-نعم، أرشيفي يضم القليل من القصائد العاطفية.. أميل إلى النمطين الاجتماعي والوطني، وأتمنى أن تكون حكمة قصائدي صادقة ومؤثرة، وبطبيعة الحال من يحتك بالعالم والمحيط الخارجي تتشكل لديه قناعات إنسانية تثري تجربته وتفيد الآخرين الذين يمدهم بالشعر الهادف، بغض النظر عن عمره والدليل أن طرفة بن العبد توفي دون الخامسة والعشرين لكن كانت لديه حكمة رائعة.
تتعامل مع عناوين قصائدك كمفتاح لجذب القارئ إليها، بينما القصيدة تحتاج عنواناً مستوحى من فكرتها وجوهرها، ما رأيك بذلك؟
-نعم يعتمد بعض الشعراء على عنوان قصيدته لجذب القارئ. فالعنوان لا يقل أهمية عن القصيدة· إنما حين أرسل قصائدي للنشر فإنني أختار مفردة أخمن أنها قد تختصر معنى أو توجه القصيدة· لكن أمر الجذب ليس مفتعلاً من جهتي.
.

الآداب والفنون تبني الإنسان
أنت نجم في حقل الأمسيات الشعرية، فهل منبع التألق مرده جودة القصيدة فقط أم حسن الإلقاء وتأثير الأداء؟
سابقاً، كان المنبر يشكّل لي بعض القلق والإحساس بالمسؤولية لأنني أمثل بلدي، وربما ساهم ذلك في أن أظهر بحضور متزن ومسؤول يعي حجم المنبر الذي أقف عليه. ومع امتداد التجربة وتعدد مشاركاتي في الأمسيات الشعرية محلياً وخارجياً، باتت هناك ألفة مع المنبر والجمهور، وتجاوزت حاجز القلق وتحول إلى قدرة على شدّ المتلقي بالإلقاء والأداء والقصيدة معاً.
أنت صاحب أرشيف كبير من القصائد والدواوين والجوائز وشهادات التقدير، وعضوية برامج مسابقات شعر، وماذا بعد؟
-ثمة الكثير من مشاريع ثقافية أنشغل بها الآن، بخاصة أنني ابن دولة ترعى قيادتها الحكيمة الشعر والشعراء وكل أنماط الثقافة. لأن بناء الإمارات يمضي جنباً إلى جنب مع بناء إنسانها. والثقافة والآداب والفنون هي من أهم ركائز بناء الإنسان وازدهاره. لذا لا غنى لي عن الشعر والمسابقات والأذ بيد الشعراء الشباب.
.
*روعة يونس
-لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews