بحسب المواصفات القياسيّة السوريّة .. غسان أديب المعلم

أبدأ من حيث انتهى المقال الأخير عند معنى انتصار الدولة وانتصار السلطة، فعلى الرغم من غليان الكرة الأرضية بالحرب وتداعياتها من جهة، حيث أنّ الأحداث تجري كما هو متوقّع بأنّ تتسّع رقعة الحرب فعليّاً على الأرض بعد أن تتدخّل جميع الدول الأفرقاء بحجّةٍ ما، وربّما كان الصاروخ الذي سقط على بولندا كافياً لإعلان الشرارة، مع عدم نسيان تداعيات عملية ساحة الاستقلال في اسطنبول، إلى غيرها من الأحداث، في مقابل شغف العالم بانتظار الحدث العالميّ الكرويّ في قطر اليوم الأحد من جهة ثانية، وبين الخطوط العريضة مئات الأزمات والتداعيات بين الدول المختلفة التي تدخّلت في الحرب أو أحدثت الحرب انكماشاً اقتصادياً بها، وبين ماهو ماضٍ في مسيرة النمو ضارباً بكلّ اشكال الأزمة الاقتصادية التي يتنبّئ الكثيرون بها عرض الحائط دون مبالاة بسبب عامل استقرار الدولة وسيادة المواطنة والقانون!.
وأعود للقول، بأنّ مايهمّني من أحداث العالم هو انعكاسها على وطني بالدرجة الأولى، فليست قضيّتي من ينجح بالانتخابات الأمريكيّة، أو أن يسيطر اليمين أو اليسار في أوروبا، أو حتى مشاكلها الداخليّة والسخرية منها، أو حتى من سيفوز بكأس العالم، فمن لم تكن قضيّته الأولى وطنه فلا قضيّة له، ومن يحدّد كلماته وأفكاره باتجاه حلول للعالم أجمع ونسيان اللبنة الأولى التي يرتكز عليها هو مجرد صفّ وترصيص الكلمات وتنقيحها لأجل المال أو الإلهاء أو الإشغال لا أكثر ..
وفي معرض الحديث عن القضيّة الفريدة على هذا الكوكب من حيث شكلها وموقعها وواقعها واستمراريتها بهذا الشكل فهي نموذج فريد لا مكان له في مسمّيات الدول الطبيعيّة، والتي طالما أشرنا لواقعنا بأننا في مشبّهات الدول وصورتها المرسومة على الورق فقط..
فالجميع على علمٍ بالمعنى التقليديّ للمصطلح، وربّما يكون أكثرها رواجاً تقسيم “جون لوك” الذي استفاد واستفاض مما سبقه بتحديد عناصر الأرض والشعب والحكومة والسيادة، كأهمّ المكوّنات، وضياع أي مكوّنٍ منها سيحدث الخلل بالتأكيد ويصبح الوضع في خطر كبير من حيث الاستمرار ونتائج هذا الضياع الذي سيعصف بجميع المكوّنات، وفي الحالة السوريّة الفريدة من نوعها في هذا العالم، ما الحال عند ضياع ثلاث مكوّناتٍ من أصل الأربع مع بقاء المكوّن الرئيس الحامل والحامي لهذا الوطن بأسره في مهبّ الريح وتحمّل الخسارات والانكسارات والتضحيات؟.
فالأرض تعاني من تقسيم الاحتلالات بأكثر من اتجاه، والسيادة تتعرّض لانتهاكات الأعداء ومن كلّ الجهات أيضاً مع عدم تقبّل دوليّ مزعوم يفرض حصاراً على المعنى العام ككلّ، أمّا الحكومة والتي يُقصد بها السلطات المنظّمة وصاحبة القرار الذي من المفترض أن يكون انعكاساً لرأي وخيار وآمال المكوّن الرابع تعيش في وادٍ آخر بعيداً عن هذه المكوّنات، وتعدّ ذاتها منتصرة مع الجميع بفضلها وصمودها وخياراتها وقراراتها واصطفافاتها!!..
رغم أنّ أيّ متابع لهذا الشأن يعلم تقاربها وتشابهها مع “البتروسترويكا” السوفياتيّة السابقة، فما الحال مع من يعيش في ظلّها وكنفها ورعايتها الحكيمة العظيمة؟.
فعندما تضيع المؤسسات ويُصبح القانون حبراً على ورق يذهب الأمن والأمان والاستقرار و السلام، وتنتشر في أوساط المجتمع الفوضى والفساد والإرهاب.
ضياع المؤسسات من ضياع المسؤولية والأمانة وانعدام القيم والمبادئ يؤدي إلى عواقب وخيمة لا تحمد عقباها ينعكس سلباً على الوطن والمواطن بآن، عندها يضعف التعليم ويقوى الجهل والتخلف، وتبقى السيطرة والهيمنة لصاحب المال والمصلحة الضيّقة الذي أصبح بلا تعليم ولا مستقبل مشرّف، ويترتّب عليها ضياع للرقابة والمحاسبة، وفوق ذلك تضيع الأخلاق الحميدة وتأنيب الضمير للحال المؤسف الذي وصل إليه الوطن جراء هذه الأزمة العامّة وبِـ “اللامسؤولين” عندما تضيع المؤسسات أو يتمّ ذلك الضياع عن تصميم وعمد، فذلك يعني ضعضعة كل الثوابت الوطنية التي ترسخت في جذور الشعب الذي لازال يقاوم حتى اللحظة!
غياب المعنى الحقيقي للقانون والمؤسسات يعني انعدام التنمية والازدهار والرقي لوطن ميزه الله بالخير الوفير بشريّاً وبالثروات، ويؤدي ذلك حكماً لازدياد هجرة العقول النيّرة التي لطالما حلمت بوطن ينافس بقية الأوطان في مختلف المجالات العلمية والعملية، و يؤدي إلى شلل في تطور الدوائر الحكومية والبقاء في وضع مزرٍ جداً يتميز بالجمود والبطء وعدم التقدم التكنولوجي.
إضافة لفقدان الضمير الوطني والشعور بالانتماء والولاء لهذه الدولة التي لطالما كانت تتميز بالتاريخ العريق والعلوم والخبرات والتقدم الإقتصادي والتنموي!.
وبهذه الحالة يصبح صاحب المال متحكّماً على الضعيف الذي لا يملك المال، وبالتالي ينتصر بقوة السلطة الخامسة “المال” على السيطرة وأخذ حقوق الآخرين بالباطل، ولا يبالي بالخوف من عقاب الدولة، و ينتشر مع هذا الشتات في أوساط الشباب العاطل عن العمل المخدرات والحشيش والمحرمات ويبتعد عن ما يهمّ مستقبله وتحقيق أهدافه وتنمية وطنه!!.
وأكثر ما نخشاه أن يؤدي هذا الواقع إلى تناحر الشعب فيما بينه، وتنتشر بحوزته مختلف أنواع الأسلحة للدفاع عن نفسه أو تسخير ذلك في أعمال عنف ونهب وما شابه ذلك..
لأنّ استمرار واقعٍ مشابه دونما حل سوف يأتي بالتناقضات العسكرية التي يصبح المدني فيها عسكري وهذا بفعل قلة توفر فرص العمل لدى الطاقات المنتجة من فئة الشباب خريج الجامعات وأصحاب الخبرة لدى الدوائر الحكومية مقابل دخل مالي شهري يضمن لصاحبه العيش في وسط التحديات والمعوقات التي تواجهه!.
سنظل في دولة ضائعة وحقوق مسلوبة ومساواة منعدمة ووطنية منسية وضمير لا يفكر إلا في مصلحة صاحبه ضارباً عرض الحائط بحب الوطن لصالح حب النفس والمصلحة الشخصية، وللأسف سنمضي وفقاً لهذا العقد المزيّف للمجهول، فلا هي شبه دولة، ولا أركان لهذا العقد سوى الشعب وما تبقّى من الأرض الجغرافيّة، والحال من سيء لأسوأ مع هذا العقد الفريد في مضمونه على مستوى الكوكب وبمواصفات قياسية حملت اسمه!.
فهل يلتفت أهل القرار لحال المكوّن الرئيس وطرق العودة والحلّ؟.
أم أن أمر الخراب محسوم بالتوافق الدولي ..
إقرأ أيضاً .. قمة سورية سورية ملونة ..
إقرأ أيضاً .. جسر الودّ الوحيد ..
*كاتب وروائي من سوريا – دمشق
المقال يعبر عن رأي الكاتب