سلاح الغاز .. سباق مع الزمن .. غسان أديب المعلم ..

يظنّ المُتتبّع لمسار الأمور ومجريات الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، أو الحرب الروسيّة الأطلسيّة، أن سلاح الغاز وليد المعركة الجارية، وأن قَطعَهُ أو ضخَّهُ من ضمن ملفّات القوّة والضعف في المفاوضات بين الأطراف، لكنّ حقيقة الأمر كانت قبل ذلك بكثير، وربّما كانت المذكّرة الأمريكيّة الأولى التي اعترفت وأفصحت دبلوماسيّاً وعلانيةً عن استغناء أوروبا عن الغاز الروسيّ كانت عام 2015 بعد سيطرة روسيا على جزيرة القرم..
ومنذ ذلك الحين تعمل أمريكا جاهدةً على إخراج روسيا من المعادلة الاقتصادية الأوروبيّة لأطماعٍ قد يختلف الباحثون بشأنها، فمنهم من يرى الهدف إضعاف روسيا لحدّ التفتيت أسوةً بالأمّ الكبرى، ومنهم من يرى أن الهدف إضعاف قوى الصراع المُتشابكة على الأرض فعليّاً، أي بين روسيا وباقي أوروبا بجغرافيّتها المتّصلة، ومنهم من يرى أنها التجارة ولا شيء سواها مع تجارة السلاح، فأمريكا تبيع الوحدة الحراريّة من الغاز المسال بثلاثة عشر دولاراً لدولة مثل لاتفيا على سبيل المثال لا الحصر، بينما كانت تعتمد على الغاز الروسي الرخيص جدّاً قياساً لهذا السعر، فالفرق خمسة دولارات في الوحدة الحراريّة!.
إقرأ أيضاً .. جسر الودّ الوحيد ..
ولم ينتهِ الأمر عند هذا السعر بعد، فالأسعار ترتفع مقابل التضخّم في العالم بأسره، ولا يدري أحدٌ بما تعدّه وتَعد الحرب من مفاجآت، وخصوصاً أن الحرب الغازيّة امتدت على نحوٍ مُتسارع في أكثر من مكان كان طيّ النسيان، وربّما بقرارٍ أمريكيّ أو غيره، فأغلب الحوارات الحدوديّة بين الدول الغازيّة لم تصل إلى اتفاقٍ نهائي، مثل الخلاف بين النرويج وبريطانيا، أو العراق والكويت، أو إيران وقطر..
وجاء دور الحوار الأكثر سخونةً ونزاعاً حول بلوكات حوض البحر الأبيض المتوسط، والذي يفيض بالثروة كما ماء البحر، والذي أحدث نزاعات عديدة بين الكثير من الدول التي كانت تفكّر فعلاً بمستقبلها ومكانتها المُرتبطين بوصولها أوّلاً لجزيرة الكنز، والدول التي تتربّص بسرقة الجزيرة ومن وصل إليها..
فأوّل المُنطلقين نحو الثروة كانت جزيرة قبرص التي أعلنت عن منطقة غازيّة حصريّة لها عام 2004، الأمر الذي سال له لعاب اليونان وتركيا الفقيرتين بالغاز والثروات الباطنية.
فالسواحل التركية بعيدة كلّ البعد عن مكامن الثروة، ولا تستطيع المساس بها إلّا بانتزاع الأميال في بحر إيجة من حصّة اليونان، والتي طالبت بحصّتها بالمياه الإقليميّة على امتداد اثني عشر ميلاً، أي بمسافة تسعة عشر كيلو متراً، وهو الأمر الذي رفضته تركيا، وقامت بصنع السفن التقنيّة بهذا الشأن وبدأت فعلاً بالتنقيب منذ زمن بعيد.
وفب الوقت نفسه حاولت أمريكا “دمج” إسرائيل ضمن ما يُسمّى الدول المتوسّطيّة المالكة للحقوق، وبدأت بالفعل برسم الخطط منذ عام 2019 للحصول على الضمانات الأمنيّة بادئ الأمر لدواعي التنمية في هذا المجال، من بناء محطّات إسالة وشبكات وأنابيب، وعملت إسرائيل على طمأنة روسيا في بداية الأمر بأنّ الغاز المتوسّطي لن يكون بديلاً عن الغاز الروسيّ لأوروبا، بل هو بديل عن الغاز القطري والجزائري ليس إلّا، وفي الوقت نفسه حصلت بالاتفاق مع الراعي الأمريكيّ على الضمانات الأمنيّة من لبنان، وخصوصاً أنّ لبنان بمقاومته كان حائط السدّ الأكبر والعائق الرئيس.
إقرأ أيضاً .. ىالاقتصاد السوري والمواطن ..
وبالفعل، قد نشهد بعد أيام ظهور الشعلات الناريّة من المحطات البحريّة وانتقال الغاز من البحر للأنابيب المخصّصة للإسالة ومن ثمّ التصدير.
لكن ماذا عن سوريا؟، ومتى ستدخل في حرب الغاز؟ وهل من المسموح لنا دخول النادي الغازي التصديريّ؟.
بدايةً، فإن أول المسوحات في هذا الشأن كان عبر شركةٍ نرويجيّة لحظت الثروة الهائلة في البلوكات البحريّة السوريّة في أثناء البحث عام 2005.
وبالتأكيد فإنّ نتيجة البحث لم تبقَ سريّة منذ ذلك الحين، وأن أغلب المُخطّطين للحرب على سوريا يعلمون بماهيّة الثروة المُكتشفة وحجمها، وأنّ شأنها شأن باقي الدول المتوسّطيّة وربّما أكثر، مع فارقٍ وحيد هو عدم وجود نزاعٍ حدوديٍ مع أيّ دولة مجاورة ونقصد الحدود البحريّة، إضافة إلى وجود “بنية تحتيّة” وأرضيّة مناسبة في شأن الغاز بالداخل السوريّ، وخصوصاً بعد ربط الشبكة السوريّة بخطّ الغاز العربي..
لكن العقوبات الأمريكيّة على قطاع النفط والغاز السوريّ حالت دون المضيّ باستثمار الثروات، وأجبر الدولة السوريّة على البحث عن تقنيّة الاستخراج خارج الفلك الأمريكيّ، وخصوصاً أن تقنيّة المسح السيزمي ليس بمتناول اليد، فكان المضيّ بالتوقيع مع الشركات الروسيّة هو أحد الحلول، وحصلت شركة “كابيتال ليمتيد” على حقّ المسح والتنقيب في البلوك الأول المُمتد بين لبنان وشمال طرطوس بمسافة تتجاوز ألفي كم مربّع، وحصلت شركة “ميت عمريت” على الحقوق نفسها في البلوك الثاني بين طرطوس وبانياس بمسافة البلوك الأول نفسها تقريباً، وكما تقول الدراسات أو ما تتناقله الأخبار إن ثمّة بلوكات أكثر وأكبر!
ورغم الإعلان عن الخطوط العريضة للإتفاق الموقّع مع الشركات الروسيّة، والتي تصل فيها الشراكة الاستثمارية لمدّة ربع قرن! إلّا أنّ النتيجة صفر على أرض الواقع!
فهل نحن ممنوعون من دخول هذا السباق كرمى عيون الروس مرة ثانية، وخصوصاً أنّ الكثير من التحليلات والمقالات قد وضعت السبب المباشر أو غير المباشر للأحداث في سوريا وربطته مع رفض مدّ خطّ الغاز القطري، أمّ أنّ الأمر يحتاج لتوافق دولي وطمأنة أمنيّة كما حدث في الاتفاقيّة الموقّعة بين لبنان وإسرائيل؟.
أو هل لأننا لم نعرف حتّى اللحظة كيف نكون “براغماتيّين” وأصحاب مبدأ وموقفٍ وقضيّة بآن؟.
أمّ أننا وبسبب ضعفنا وفقداننا للمواطنة والقانون والمؤسسات الحقيقيّة، سنبقى خارج السباق، وربّما خارج الزمان؟.
*كاتب وروائي من سوريا – دمشق
المقال يعبر عن رأي الكاتب