الديك الفصيحالعناوين الرئيسية

المقاعد الخلفية “عرشٌ غير مرغوب”.. منهل إبراهيم ..

 

كم أعشق المقاعد الخلفية، كان جدي يقول لي دائماً: “يابني، إن كنت تجلس في الخلف فهذا يعني أنك في الأمام، وفي المقدمة.”، لم أستوعب منطق جدي، فعمري حينها كان غضاً، والشنب كربيع زاهٍ، والشيب الذي غمر رأس جدي وقلبه صبغ بخبرته لسانه بالحكمة.

ومع مرور الوقت بات كلام جدي يخزني ويخبرني بأشياء كثيرة، وأصبحت أرى نفسي ملكاً وأنا أتربع على عرش المقاعد الخلفية دون منازع، الجميع أمامي، وأنا أرى عثراتهم وأخطاءهم وحركاتهم، وهم منشغلون بربطات عنقهم وهندامهم وحركات جلوسهم، وبعضهم نِيامٌ وبعضهم الآخر عقلُه سارح في عوالم أخرى، ووو…

عند كل حضور لي لمناسبة أو فعالية أو مهرجان، أو تظاهرة ثقافية أو اقتصادية، أو محلية… أو…أو….أسأل من يجلسون في المقدمة بلسان قلبي، وأنا أكتم صوتي: هل تحبون الجلوس في المقدمة..؟؟، أنا في الحقيقة عشتُ طوال حياتي وأنا أعتبر الجلوس في المقدمة أمراً ليس مهماً، وما المشكلة إذا لم تجد لك مكاناً (في المقدمة)، ماذا (ستفرق معك) إن جلستَ (في المقدمة) أو جلست وراءها بمقعد، أو مقعدين، أنت أنت، بفكرك، بهيبتك، بثقافتك وبنفعك لمن حولك.

 

إقرأ ايضاً: معاً لترويج (متلازمة المحتال)!! ..

في الأمسيات والندوات والعروض المسرحية وغيرها، وحتى في الأفراح والأتراح، أحاول أن أبحث عن مكانٍ في الخلف لكي أجلس فيه، وبالمحصلة، من كثرة ما رأيت من تزاحمٍ على الجلوس في المقدمة ظهر أننا نعاني من (عقدة الجلوس في المقدمة)!.

ورغم أنني أمارس الجلوس في الخلف بمتعة شديدة، إلاّ أن قناعاتي تختلف من حين إلى آخر، حين أرى بعض الأشخاص ممن جلسوا في المقدمة وهم لا يستحقون ذلك، لكنهم سبقوا غيرهم، ومن يستحق، في الوصول إلى المقاعد الأمامية، أمانيهم وغاياتهم.‏

يقولون لي ولكم، لا تظنّوا هذا الـ (الأمام) مجرد هيبة و(شوفة حال)، بل هو جزء من فكرة، من ثقافة مجتمعية مسكونة بـ رؤية من في المقدمة، حتى أن أحدهم لو دُعي إلى حفلة غنائية أو عروض مسرحية، لظل طوال الليل يفكّر كيف سيجلس في المقدمة؟، وهل سينافسه أحدٌ هناك؟، وما الاحتمالات عند ذلك؟، وكيف سيتصرّف إن فقد مقعد المقدمة؟!.‏

إقرأ ايضاً: مسؤول، وبيبرونة، وبامبرز ..

هنالك من يستحق بجدارة الجلوس في المقدمة فكراً وقولاً وفعلاً، لكن أقول لهذا “البعض” الذي لا يستحق: “مبارك عليكم المقدمة، لكن كونوا على قدرها، كونوا في المقدمة في بناء أوطانكم ومحاربة الفساد وارتفاع الأسعار، كونوا في المقدمة بالفكرة المضيئة والعمل النافع، وفي تحقيق أحلام المواطن المسكون بهواجس مادية ومعنوية تجعله في المقدمة.”

أما أنا، فعشقي قديم للجلوس في الخلف، فاتركوني أجلس في مقاعدي “الأثيرة” لغاية في نفسي!.

 

*منهل إبراهيم – صحافي سوري ..

 

صفحتنا على فيس بوك  قناة التيليغرام  تويتر twitter

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى