منبر الأمم المتحدة وحذاء خروتشوف! .. بشار جرار – واشنطن ..

ظننت حذاء الطنبوري وحده خرافة، حتى عرفت أن حذاء خروتشوف ما هو إلا دعاية، يعني بلغة الصحافة اليوم خبرا مفبركا أو مختلقا، يعني “فيك نيوز“!
لمن لا تسعفه الذاكرة في سيرة الحذاءين: الأول كان لأبي القاسم الطنبوري أحد تجار بغداد في العهد العباسي وكان شديد البخل وحذاؤه جلب على رأسه الكثير من النحس. أما نيكيتا خروتشوف الزعيم السوفيتي القوي الذي خلف جوزيف ستالين صاحب الستار الحديدي فكان على ذمة نيويورك تايمز خطيبا مفوهاً انفعالياً بدأت درجة استيائه من الإمبريالية حد ضرب إحدى أدواتها الأمم المتحدة بالحذاء.. نعم هكذا قالوا قبل اثنين وستين عاما، زعموا أن خروتشوف أوقف خطابه ليشلح حذاءه ويلوح به مرات ومرات فوق رأسه ليهوي به على منبر الأمم المتحدة تعبيرا عن سخطه على “الشرعية الدولية” كما تراها “الإمبريالية العالمية”!.
لا صحة للقصة التي تناقلتها صحف ومحطات وازنة ما زالت موضع تقدير عالمي بل ويشار إليها بالبنان كرمز للمصداقية معيار للمهنية الصحفية!
خروتشوف بحسب ابنه سيرغي الذي رافقه في تلك الجلسة أواسط أكتوبر قبل أكثر من ستة عقود، قال إن الزحام حول الزعيم السوفييتي أدى إلى خروج فردة عن مسارها ولم تكن حذاء بل صندلا مكشوف الأصابع! لم ينحن خروتشوف تفاديا للحرج أمام الصحفيين فتولى أحد المرافقين إحضار الصندل الوحيد لصاحبه وقد غطاه بمنديل فما كان من أحد الشطّار إلا أن ينتهز الفرصة ويوجه القطيع بأكمله إلى “حقيقة” وهمية بأن ذلك كان حذاء وأنه كان أداة فعل غير متحضر تمثل بضرب منبر الشرعية الدولية بحذاء!
أسوق هذه القصة الحقيقية كمثال على خطورة ثقافة القطيع في الانجرار وراء فعل تضليلي دعائي يظن فيها بعض دهاقنة السياسة والأمن والصحافة أن الغاية تبرر الوسيلة. وإن غوبلز لم يكن سوى ذلك المجرم الذي حمل أوزار النازية وهتلر كلها جراء إمعانه في الكذب والكذب والكذب حتى يصدق الناس ما تقول ويكذبون من يجرأ على مجرد طرح الأسئلة أو حتى التساؤلات.
لن أخوض في أي من القرارات الصادرة عن الجمعية العامة في دورتها السابعة والسبعين ولا في أي من المؤتمرات التي عقدت في نيويورك ودافوس منذ تفكيك الاتحاد السوفييتي ببيريسترويكا الراحل ميخائيل غورباتشوف وغلاسنوسته! فكل يرى الأمور كما يريد أن يراها. و”نسبية” آلبرت أينشتاين – طيب الله ثراه – صالحة لكل زمان ومكان!
*كاتب ومحلل سياسي – مدرب مع برنامج الدبلوماسية العامة في الخارجية الأميركية ..
المقال يعبر عن رأي الكاتب ..