إضاءاتالعناوين الرئيسية
المرشّح رقم ١٣ … د.محمد عامر المارديني

المرشح رقم ١٣ … د.محمد عامر المارديني
في زحمةِ انتخابات المجالس المحليّة التي نشهدُها هذه الأيامَ أعادتني الذّاكرةُ إلى أواخر العام ٢٠٠٩ حين أعلنت نقابةُ الصيادلة عن بدء انتخاباتِ الوحدات التابعة لها، تمهيداً لانتخابِ الهيئاتِ العامّة.
كنت حينذاك أشغلُ منصبَ نائبِ رئيسِ جامعةِ دمشق للشؤون العلميّة بعد أن مررتُ قبل ذلك بعدّة مناصبَ إداريّةٍ علميّةٍ منها نائبُ رئيسِ جامعة دمشق للشؤون الإداريّة والطلّاب ،وعميدُ كليّة الصيدلة ووكيلُ كليةِ الصيدلة، إضافةً إلى انتخابي عضوَ فرعِ دمشقَ لنقابة الصيادلة في ثلاثِ دوراتٍ متتالية.
المرشّح رقم ١٣
يومَها همسَ في أذني أحدُ الزملاء يجسُّ نبضي قائلاً:
هل سترشّحُ نفسَك لوحدة كلية الصيدلة؟
قلت له: لا أعتقد أنّي سأشارك، لقد سبقَ لي أن جرّبتُ العملَ النقابيَّ ، وأظنّني اكتفيتُ، وبات من الأفضلِ أن أفسحَ المجال للآخرين.
قال لي: إنّ عددَ المرشّحين في وحدة كليّة الصيدلة قد بلغَ أحدَ عشرَ مرشّحاً، لكنّ حصّةَ وحدةِ التعليم العالي في الهيئة العامّة هو اثنا عشرَ عضواً، ولم يترشّح حتّى الآن أحدٌ آخرُ لاستكمال العدد المطلوب ، لذا ربّما من الأفضل أن ترشّحَ نفسَك، وحينها ستفوزُ اللائحةُ بالتزكية دون إجراءِ انتخابات. قلتُ له: إذا كان الأمرُ بتلك البساطة فسأفعل، إنّه لشرفٌ لي -في كلِّ الأحوال- أن أكونَ معكم في عِداد أعضاء الهيئة العامة لفرع دمشقَ بالرغم من مشاغلي الإداريّة والتعليميّة الكثيرة…
وهذا ما فعلت.
المرشّح رقم ١٣
وبعد أيّام أخبرني ذلك الزميلُ بأنّه لا بدَّ من مرافقته إلى النقابة لإجراءِ عمليّة الانتخاب وذلك لقيامِ أحد الزملاء بترشيح نفسِه قبيلَ إغلاقِ قبول الطلبات بدقيقةٍ واحدة! ليصبحَ العددُ الإجماليُّ ثلاثةَ عشرَ مرشَّحاً.
قلتُ له إذاً سأنسحبُ ولا داعيَ لاجراء الانتخابات.
قال: مستحيل ! فالأمرُ شكليٌّ جدّاً وسيفوزُ اسمُك بالتّأكيد ، مشاركتُك في الانتخابات ستعطي انطباعاً رائعاً أمام الجميع عن مشاركةِ الإدارة الجامعيّة في الانتخابات ، لذا لم يعد مجدياً أبداً انسحابُك ، بل يمكن أن يفسَّرَ على نحوٍ غيرِ لائقٍ بحقِّك.
قلتُ له بعد طول نقاش :
حسناً فلنذهب إلى الانتخابات!
وفي مقرِّ النقابة استقبلَني المرشَّحون أعضاءُ الهيئة التعليميّة في كليّةِ الصيدلة أحرَّ استقبال، حتّى أنَّ عدداً منهم (من الرّجال طبعاً) أخذَوا يقبّلونني بحرارة بالغة إلى أن وصلَت قبلاتُ أحدِهم إلى مستوى الرّقبة ما جعلَ بدني يقشعرُّ لشدّةِ ضغطِ شفاهِه الغليظة، مُدّعياً أنّ وجودي بينهم كمرشّحٍ يُعدُّ قيمةً مضافةً ، وأنّ عدمَ حصولِ التزكية هو فألُ خيرٍ للجميع، وأنّ الممارسةَ الحقيقيّةَ للديموقراطية هي عرسٌ وطنيّ.
المرشّح رقم ١٣
وبالفعل، بدأت عمليةُ الانتخاب بحضورٍ لم يزدْ عن اثنين أو ثلاثة أشخاصٍ عن باقي الأعضاء الثلاثة عشر المرشّحين، الذين جلسوا يراقبون عن بعد منتظرين ما ستُفضي إليه النتائج، يؤيّدون بعضهم بعضاً إمّا بالابتسام أو برفعِ الإبهام تعبيراً عن الانتصار، إلى أن انتهت عمليةُ فرز الأصوات وأُغلقَ الصّندوق.
بعد ذلك قام أعضاءُ لجنة الانتخابات المحلَّفون بفرز الأصوات وتلاوةِ أسماء الفائزين اسماً اسماً مع كلِّ ورقة كانوا يسحبونها، بينما علامات الارتياح أخذت تظهرُ على جميع الوجوه تقريباً إلّا وجهي فقد استغربتُ بشدّة عدمَ سماعِ اسمي في معظمِ الأوراق إلى أن انتهى فرزُ الأصوات فكنتُ الخاسرَ الوحيدَ ذا الرّقمِ المشؤوم ١٣.
عادَ جميعُ الفائزين يقبّلونني مجدّداً وهم يواسونني بل يعزّونني بخسارتي ذلك المنصبَ الرّفيع، منصبَ عضوِ الهيئة العامة لفرع دمشقَ لنقابة الصيادلة، ويحلفون أغلظَ الأيمانِ بأنّهم انتخبوني، ومتّهمين بعضَهم بعضاً بعدم انتخابي، ولكن هذه المرة لم يقشعرَّ جسمي من حرارة القبلِ بل كدتُ أصابُ بالغثيان.
المرشّح رقم ١٣
عدتُ فعاتبتُ زميلي الذي دفعَني مُكرَهاً لخوض تلك المغامرةِ الفاشلة حيث لم يكن لائقاً أن يسقطَ اسمي الذي يمثّل جامعةَ دمشق في مثل تلك المهزلة الممجوجةِ لأكتشفَ لاحقاً أنَّ ذلك الزميلَ كان فرداً من تلك المنظومة التي أرادت إسقاطَ اسمي بعد أن دفعَني من البداية للترشُّح لكن تحت إشرافه خوفاً من أن أفعلَ ذلك على غفلةٍ منه قبيلَ إغلاق ملفِّ الترشيح وحينها ستفوز اللائحة بالتزكية ويفشلُ المخطَّط، لكنّه سار بالسيناريو الثاني بعد أن قبلت الترشيح وهو دفعُ شخص ثانٍ لترشيحِ نفسِه وإسقاطي بالاتّفاق مع الآخرين ممّن يسمّون أنفسَهم زملاءَ المهنة الأحبّة!
عدّةُ أشهر مرّت بعد انتهاء تلك الانتخابات وإذ بمرسومٍ كريم بتسميتي رئيساً لجامعة دمشق فتزورني ثلّةُ الزملاء الأحبّةِ الذين استطاعوا إفشالَ أهمِّ مشروع استراتيجيٍّ وطني، ألا وهو ترشُّحي لمنصب عضو الهيئة العامة لفرع دمشق لنقابة الصيادلة، وأخذوا يتباكَون أمامي لعدمِ وصول أيِّ منهم إلى سدّة النقابة ويغبطونني على خسارتي الانتخاباتِ في وحدة كلية الصيدلة واستبدالِها بذلك الشرفِ العظيم، ألا وهو رئاسةُ جامعةِ دمشق.
لقد كان درساً لا ينسى تعلّمتُ منه الكثيرَ عن الفرق بين قبلةِ المحِبّ والقبلةِ التي تشبه العضّ!
.
.
*قاص و روائي- وزير التعليم العالي السابق- سوريا
.
-لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews/