إضاءاتالعناوين الرئيسية

قرار نقابة الفنانين الشجاع … مراد داغوم

قرار  نقابة الفنانين الشجاع … مراد داغوم

ولو كان متأخراً، بدا قرار نقابة الفنانين بالتدخل المنتظر للحد من الإسفاف الزائد فيما يُغنّى على المسارح السورية، قراراً عادلاً، ينضح بالحق والإقرار بالواقع المخزي الذي وصلته بعض الأغنيات السورية وغيرها، وضرورة الوقوف في وجه من يقوم باستصدار موافقات الحفلات بدون الرجوع إلى نقابة الفنانين، وذلك بالاعتماد على بعض قرارات وزارة السياحة، علماً أن قانون النقابة الصادر بمرسوم جمهوري ينص صراحة على وجوب الحصول على موافقة نقابة الفنانين في هذه الأحوال.
قرار نقابة الفنانين الشجاع 
جاء القرار شفهياً، على لسان نقيب الفنانين السوريين الأستاذ “محسن غازي” ونائبه الأستاذ “هادي بقدونس”، عبر تصريح لوكالتي “Global” و”ata”. كان القرار شفهياً لأنه يستند بالفعل إلى قوانين وقرارات سابقة صادرة في هذا الشأن بالذات، وكل ما على النقابة فعله هو اتخاذ إجراءات تطبيق القوانين النافذة بمساندة الجهات التنفيذية المسؤولة في كل محافظة.
قرار نقابة الفنانين الشجاع
جاء التدخل الأخير بعد انتشار مقاطع فيديو للمغنية “ريم السواس” تغني في حفلات عامة على مسارح عريضة أغنية تقول: (أكبر غلطة بحياتي – عّلّيت واحد واطي)، أثار هذا المقطع موجات سخط شديد على صفحات التواصل الاجتماعي، تقوده أسناء معروفة من الفنانين السوريين، لينضم إليهم جمهور عريض من المؤيدين للرأي، وقد شُنَّت حملات تقريع وسباب للمغنيين لربما تتفوق على مضمون الأغنية المذكورة في الإسفاف والبذاءة.
ثمة أمور تغيب عن أذهان الجماهير حول هذا الأمر، ولذلك تكون ردود أفعالهم غالباً في غير مكانها الصحيح. فالكل يلوم نقابة الفنانين .. فقط!
قرار  نقابة الفنانين الشجاع 
إن “انعدام” التنسيق بين وزارتي الثقافة والسياحة هو مشكلة عانينا منها كفنانين منذ عقود طويلة، وهذا هو الأمر الأول… إذ غالباً ما تتضارب الاتجاهات بين الفعاليات التي تتبع وزارة السياحة مع مصالح الفنانين السوريين التابعين لوزارة الثقافة، وتجد السلطات التنفيذية حرجاً وحيرة في الوقوف إلى جانب إحدى الوزارتين، وذلك ربما من طبيعة الفنانين والأدباء والمثقفين من جهة، وطبيعة أصحاب المحلات ومتعهدي الفعاليات السياحية من جهة أخرى. حيث تغلب على الفنانين ووزارة الثقافة سمة الهدوء والترقب، بينما يتمتع أصحاب المحلات ومتعهدي الفعاليات بروح وعقلية التاجر الذي يُهَوِّن من كل أمر يتعارض مع الهدف الاقتصادي لمشروعه.
قرار نقابة الفنانين الشجاع 
الأمر الغائب الثاني هو “فهم ومعرفة” أصول الخطأ في هذا المجال بين مختلف طبقات جمهور الفن السوري، وحتى بين البعض من أوساط النخبة الفنية. حيث تَمَيَّع مفهوم “الأغنية الهابطة” ليصبح “علكة” في كل فم، بحق أو بدونه، وغدا سلاحاً يشهره البعض في وجه من لا يوافق ما اعتاد عليه من السماع. وهذه بعض من وجوه الخلط التي تواجهنا في هذا الخصوص:
1- يسمع الجمهور أن للأغنية أركاناً ثلاثة، كلام ولحن وصوت، فيظن أن هبوط الأغنية متعلق بها جميعاً، وهذا خلط شنيع. ففي الواقع، لا معنى لعبارة (لحن هابط)، إذ لا يمكن لأي لحن موسيقي في العالم، مهما صغر شأنه، أن يكون هابطاً. وبعد استبيان الآراء والتمحيص والتمعن تكتشف أن الأغنية الموصوفة بالهبوط تتضمن كلمة لا توافق ذوق بعض الناس، ومع ذلك لا يميّز الكثيرون بين لحن وكلمة.
2- ربط الهبوط بأنماط محددة من الغناء، فغالباً ما تُوَجَّه تهمة الهبوط للون الشعبي تحديداً، وبأسباب باهتة، واضحة الظلم. فعلى أرض الواقع، وكمثال، تعرضت أغنيات (علوش) و(الحاصودي) إلى اتهامات متعددة من أنواع الهبوط، بالرغم من أنها ألحان بسيطة جيدة، ومواضيع من أرقى الأفكار، وكلمات بالغة البراءة والطيبة.
3- ربط الهبوط في أحوال نادرة باسم المغني، لغايات في نفوس اليعاقبة، وعندما تتبع زمنياً أعمال المغني، لا يمكنك أن تجد أي ملمح هابط في أعماله. غالباً ما تكون الأسباب هنا “كيديَّة”، وغالباً ما يقف وراءها فنانون آخرون قد ينتفعون من الإساءة لسمعة فنان آخر.
4- ربط الهبوط بالضجيج والجلبة المصاحبة لبعض الأغنيات، وعندما نرجع إلى أنماط الغناء والموسيقا العالميين سنجد أن الضجيج والجلبة هما سمة ضرورية أحياناً لكثير من أنواع الغناء والموسيقا. فأغنيات الميتال والهارد روك على سبيل المثال تعتمدان بشكل أساسي على هذا النوع من الضجيج وتعتبره أساساً لها.

النتيجة كل ما حدث من زوابع حول الأغنيات الهابطة لم يخرج من النفجان، وإذا أردنا أن نعد تلك الأغنيات لما تجاوزت العشرة. وإذ نحيي ونشكر نقابة الفنانين على قرارها الأخير، نعلم علم اليقين أن أذواق البشر لن تتغير من خلال إجراء تقوم به النقابة. ونعود إلى كلامه تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)!

روابط: تصريح نقيب الفنانين الأستاذ محسن غازي:
https://www.facebook.com/watch/?v=390759219902586
.

*مراد داغوم – مؤلف وموزع وناقد موسيقي – سوريا
.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى