رأي

النوم في العسل .. غسان أديب المعلم ..

 

لعلّ أشهر تعريفات قوّة الدول التي اتفقت عليها أغلب النظريّات السياسيّة في فحواها ومخطّطاتها وأهدافها، هي تعريف المفكّر الألماني “هانز مورغن ثاو” والذي حدّد قوّة الدولة وثقلها السياسيّ بعدّة عوامل متكاملة مع بعضها البعض : العامل الجغرافيّ، الموارد الطبيعيّة والبشريّة، التقدّم الصناعيّ، ودرجة الاستعداد العسكريّ، الخصائص القوميّة، الروح المعنويّة، نوعيّة الدبلوماسيّة.

 

وانطلاقاً من هذا التعريف المحدّد، ووسط ماتشهده البلاد والمحيط القريب والبعيد من أحداث وحروب ومخططات ومعسكرات وأحلاف قيد الإنشاء، يحضر السؤال المتجدّد بقوّة في خضم إشاعة الانتصارات المُعتادة المزعومة التي تطلقها السلطة عبر أبواقها .. أين نحن؟.

فالقمم واللقاءات وتشكيل الأحلاف جارٍ على قدمٍ وساق، قمّة في القدس المحتلة، تليها قمّة في بيت لحم، تتبعها القمّة الرئيسيّة في جدّة، وبطل هذه القمم الرئيس الأمريكي الذي يصول ويجول ويلعب على أكثر من حبل في اتجاهات متعدّدة، بدايةً بالتوقيع على معاهدة خطّية بين أمريكا واسرائيل، مُلزمة لأمريكا مع التعّهد بعدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي، مع وعود معتادة من قبل أيّ رئيس أمريكيّ لسلطة أوسلو في إيجاد حلّ للقضيّة الفلسطينيّة، ومن ثم يطير الرئيس الأمريكي إلى جدّة، في محاولة لتشكيل حلف يجمع العديد من الدول العربيّة، لتكوين نواة حلف عسكريّ مُضاد لإيران، والأهم، هي الفكرة التي طرحها الرئيس الأمريكي حول موضوع “دمج الكيان الصهيوني” ضمن هذا المحيط وجعله مقبولاً لدرجة الحليف.

وبالتأكيد سيكون موضوع الطاقة ومواردها أحد البنود على قائمة محاضر الاجتماعات للتخفيف من تداعيات الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، أو ربّما لتصعيدها.

على الجهة المقابلة وبالتوازي، تستقبل طهران بعد أيام الرئيس الروسيّ، وسينضمّ الرئيس التركيّ للاجتماع بحثاً عن سبل الحلّ النهائي للأزمة السوريّة، وقولاً واحداً  لن يكون هذا الاجتماع شديداً على الحلف الذي تسعى أميركا لتشكيله مع بعض العرب، لوجود تركيا فيه وهي حليفة استراتيجية لأمريكا وإسرائيل.

وما بين القمّتين، نجد حضور “اللامبالاة” من قِبل قادة الدول والشعوب على حدٍّ سواء من فكرة “دمج” إسرائيل في المنطقة، حتى أن الإعلام العربيّ متماهي مع المصطلح الجديد بالترويج، ولو كان ذلك قبل إيجاد الحلّ للقضيّة، رغم أنّ هذه القضيّة، كثيراً ماكانت تعوّل عليها آيدولوجيا السلطة المفروضة بأنّها تشاركيّة، و أنّها أولى اهتمامات وهموم الشعوب على الأقل، بل أنها المسار والهدف والمصير.

ومع ذلك، حضرت النتيجة النهائية التي سبقتها أحداث الحرب في سوريا بأشواط، وصولاً لاستكمال إبعاد سوريا عن حضور القمّة العربيّة في الجزائر، وربّما ستكون في بنك أهداف الحلف الجديد عسكريّاً واقتصاديّاً وغير ذلك، بما أنّها متحالفة مع إيران.

ويحضر “الغياب” في القمّة الثانية في طهران، والتي تُعنى أساساً بالشأن السوريّ، وإيجاد حلّ للمعضلة التي أحدثتها الأزمة، والتي أصبحت مسدودة الأفق، رغم أنّ هذه القمّة مع عنوانها ليست الأولى، فقد وصل عدد اجتماعات الآستانة إلى الرقم عشرين تقريباً، دون تواجد أو مداخلة لمندوب سوريّ، رغم أنّ الوفد السوريّ يتواجد في اجتماعات جنيف باختلاف أرقامها، ممّا يعني الاعتراف الضمني بأن يكون للسلطة دور في الحلّ أو صياغة الدستور الجديد.

بالعودة إلى عوامل قوّة الدول التي تم ذكرها في البداية..

ماذا نملك من قوّة وثِـقَـل؟.

فالأرض لا تحارب وحدها، والتاريخ لا ينطق إلّا بلسان القويّ، وثرواتنا منهوبة خارجيّاً وداخليّاً بمعظمها، والخصائص القوميّة التي تمّ ربطها بالأشقّاء صفر، والتقدّم في كلّ المجالات، وليس حكراً على التقدّم الصناعي، صفر، ونوعيّة الدبلوماسيّة أيضاً صفر، والأهم الأهم، المعنويات صفر وما دون.

فهلّا وقفت السلطة وتواضعت قليلاً وتخلّت أو تركت هزيمة العالم أجمع أمامها، وأعطت لهذه الدول فرصة لتناول قسطٍ من الراحة، وسارت بمشروعٍ وطنيّ جامع إثر حوار حقيقيّ بين أبناء هذا الشعب المنكوب؟.

 

يقول المفكّر “روربرت دال” في تعريف القوّة: هي القدرة على أن تجعل الآخرين يحقّقون ماتريد، دون أن تأمرهم بذلك.

وعلى أرض الواقع نحن في موقع المتفرّج والمراقب والمنتظر لنتائج القمم، ومشاروات الدول، وتداعيات الحروب والأحلاف،

ولا نملك القدرة على فعل أيّ أمر لأنّ السلطة تجاهلت وتتجاهل أهمّ عناصر القوة وهي الشعب، الشعب الذي لايتقبّل فكرة التطبيع، رغم حالته المعنويّة وتهميشه واستغبائه، وفقره وانكساره جرّاء السياسة الاقتصادية المُجحفة بحقّه، فما حاله لو سمع بكلمة “دمج”؟.

 

استفيقوا، ولتكن قوميّتنا سوريّة، ومشروعنا سوريا، وهدفنا الإنسان السوريّ أوّلاً وأساساً لأي قضيّة كبرى، فالمقاومة والصمود أساسهما الشعب.

استفيقوا قبل أن يسجّلكم التاريخ بأسوأ مايكون من وصف، وتلفظكم مفردات المقاومة والانتماء من قواميسها.

 

*كاتب وروائي من سوريا – دمشق
المقال يعبر عن رأي الكاتب

 

صفحتنا على فيس بوك

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى