عشرة صفر .. من يقلب النتيجة؟.. غسان أديب المعلم ..

بهدف إقامة منطقة عازلة بدأت قوات الجيش التركي بعدوانٍ “قديم جديد” على الأراضي السوريّة، وهذه المرّة بعمق ثلاثين كم على طول الحدود التي تتجاوز ثمانمائة كم مربع،
ولم يكن الأمر مفاجئاً لأغلب المتابعين لمجريات الأحداث باستثناء المُلقّنين الموجّهين لفكرة إنهاء الاحتلال التركيّ بناء على نتيجة سحق روسيا للغرب!!، فالفرصة أتت على طبقٍ من ذهب، وبالتأكيد فإن الثعالب خير من يستغلّ هذه الفرص.
الوفود السويديّة الفنلنديّة في أنقرة تستجدي، بحسب الخطّة المرسومة، الأتراك ليوافقوا على انضمام الدولتين لحلف شمال الاطلسي، وبالمقابل لم تخجل تركيا في طلباتها المُعلنة بأنها تريد التوسّع في سوراقيا، وتسليم قيادات المعارضة التركية، وكذلك الأمر الغمز واللمز بشأن الحصول على سرب طائرات أمريكيّة مع إعادة المفاوضات بشأن الدخول للإتحاد الأوربيّ!، ولم يخجل الثعلب التركي بأن تكون الزيارة الأخيرة إلى إسرائيل قبل ساعات من بدء العدوان على سوريا، وهو دليل اتحاد الأهداف لدى الكيانين الغاصبين، وهذا ما كان واضحاً “تاريخيّاً” منذ عهد السلطان عبد الحميد في استهداف الجزء الجنوبيّ من سوريا “فلسطين”.
حتى نتائج السياسة التركية التي تمّ اعتمادها في عهد وزير الخارجية التركيّ أحمد داوود أوغلو “صفر مشاكل”، والتي بدورها رسمت معالم جديدة وللأسف كلّها في صالح الثعالب على حساب دول المنطقة بأسرها، فسياسة صفر مشاكل كانت تصف ذاتها علانيّة بأنّ لا تكون هناك أي مشكلة مع دول الجوار بالكامل، لكن باطنيّاً .. كانت الخطّة تسير بعكس ذلك تماماً، واستغلّت تركيا الظروف على أكمل وجه منذ حرب تموّز 2006 مروراً بمسرحيّة سفينة مرمرة ومؤتمر دافوس، وصولاً إلى الاعتداءات التركية المستمرة على الأراضي العراقية والسوريّة ومحاولة إقامة منطقة عازلة، وحتى في كازخستان إلى قبرص واليونان ولم تسلم روسيا ذاتها من الحروب والتوسّع السياسيّ بالمكر والخداع، لدرجة أن الفصائل المدعومة من قبل تركيا تقصف قاعدة حميميم بسلاح تركيّ، وتأسر الطيّارين الروس، بل وتمت تصفية السفير الروسي في أنقرة على شاشات الإعلام!.
تمادت سياسة صفر مشاكل حتى وصلت لأن تبني تركيا قاعدة لها في قطر، وتجلب المعارضة المصرية والتونسيّة والليبيّة إلى أراضيها وتتدخّل في شؤونها، ووصلت الوقاحة بها حدَّ التنقيب عن الغاز بين سواحل مصر واليونان، كذلك الأمر و – أقصد الوقاحة- بأن تقطع مياه الفرات ودجلة عن العراق وسوريا، حتى باتت النتيجة عشرة صفر لصالح الكيان التركي الغاصب تجاه كل دول الجوار والمنطقة، فمن يقلب النتيجة؟.
الجواب: وأنا لست مخوّلّاً لأتكلّم بالنيابة عن دولة، بل جواب في رأيٍ ألمسه في أغلب حوارات وأفكار الشعب السوريّ، الشعب المظلوم الذي لم تهدأ المصائب فوق رأسه ولو لبرهة، الشعب المكلوم بجرح الكبرياء من تمادي الأعداء، والشعب المتصابر على أحمال لا يطيقها الأنبياء، من غلاء معيشة، وحصار، وفقدان القدرة الشرائية، ونقص في كلّ شيء من وقود ومساعدات وغيرها من أساسيات الحياة، وأعداء من كلّ الجهات الخارجيّة والداخليّة، لكنّه ورغم كلّ ذلك يقول بأنّ الردّ العسكريّ يحتاج لأرضيّة داعمة وأساسيّات لابدّ منها، ويحتاج حكومة قويّة تنهض بالاقتصاد وتوفّر سبل الإنتاج وتدعم الصامدين بحقّ وتتولّى إدارة الحوار الحقيقيّ بين السوريّين لإرساء مشروع وطني جامع يكون نقطة الانطلاق لقلب النتيجة.
وفي النهاية، سأضع أكثر من سؤال لطالما تغافلت عنها مؤتمرات الحوار المزعومة سابقاً والتي اقتصرت على واجهات مصطنعة لا همّ لهم ولا اهتمام سوى التصفيق والمباركة:
لماذا لا نشهد في الجزيرة أي شكل من أشكال المقاومة؟.
ولماذا لا نشهد في مدن الشمال ذات الأمر؟.
وعلى بساطٍ أحمديّ .. لماذا يشعر البعض بأنه مواطن درجة ثالثة ورابعة ترانزيت؟.
الجواب، وباختصار شديد .. غياب المواطنة والقانون..
فهل نقلب النتيجة؟.
*كاتب وروائي من سوريا – دمشق
المقال يعبر عن رأي الكاتب