
.
الجاهليةُ عادتْ قد غفا الزمنُ /
وأَفْلَتَ الكونُ ما عادتْ له سُنَنُ
تمشي تيوسٌ فيمشي خلفَها غَنَمٌ /
ترقى شعوبٌ ، وترسو عندنا السُّفُنُ
ويحكمُ الكلَّ مَنْ في عقلِهِ عَفَنٌ /
بئسَ العقولُ التي في أصلِها العَفَنُ
يُطأطئُ الرأسَ مَنْ في رأسِهِ فِكَرٌ /
ويرفعُ الصوتَ أنذالٌ لهم ثمنُ
نأتي الحياةَ بأفواهِ مُقطَّبَةٍ /
لا ينطقُ الآهَ مَنْ في ثَغْرِهِ لَبَنُ
قالوا يُوَلّى عليكم من يُشابهُكم /
تطرَّفَ القومُ ، والحكَّامُ قد خَشِنوا
يا خيبةَ العمرِ صار الدهرُ عاهرةً /
تقودُ عصراً تعيساً رمزُهُ الكَفَنُ
عدنا قروناً، فما أشقاكَ يا زمني! /
عُدْنا ذئاباً ، ولَكِنْ ، شكلُها حَسَنُ
بعضُ النساءِ كطبعاتٍ مُعَدَّلَةِ /
بعضُ الرجالُ كأزلامٍ لهم رَسَنُ
هيَ الثقافةُ قد باتَتْ مُخادعةً /
تُقدِّسُ الجهلَ ، روحَ العلمِ تمتهِنُ
حتى غدَونا شعوباً لا صِراطَ لها /
شِعارُها العنفُ والتنكيلُ والمُنَنُ
قد حرَّفَ الأمسَ والتاريخَ قادتُنا /
فشوَّهوا الحاضرَ الخاوي وما فَطِنوا
دُنيا قَدِ انقلبتْ رأساً على عَقِبٍ /
ما عادَ للحقِّ عينٌ ، لا ، ولا أُذُنُ
صار الزمانُ زماناً للأُلى خَدَعوا /
عصرُ الوقاحةِ عصرٌ للرَّدى دَرِنُ
يُطاوِلُ الفيلَ في عصرِ الرَّدى قَزَمٌ /
ويدَّعي العِلْمَ مَنْ في عقلِهِ وثنُ
ويدّعي اللُّطفَ ذئبٌ ثوبُهُ حَمَلٌ /
ويدّعي الفَرْحَ وجهٌ كلُّهُ شَجَنُ
ويدّعي الحبَّ مَنْ في قلبِهِ حجرٌ /
ويدّعي اللِّينَ زوراً ظالِمٌ خَشِنُ
ويذبحُ الناسَ ظنّاً انهم غنمٌ /
من يدّعي الطُّهْرَ ، مَنْ في قلبه ضَغنُ
ويدّعي العدلَ مَنْ عَدْلٌ إزاحتُهُ /
مَنْ أفقرَ الناسَ ، مَنْ للقرشِ مُرتهنُ
تواطأَ الكلُّ ، حُكّاماً ومافيةً /
فصادروا مالَ مَنْ هانوا ومن جبنوا
طارَ الدولارُ ، غرابُ البينِ طيَّرَهُ /
غابَ النظامُ وذا اللبنانُ يُمْتَحَنُ
أرضُ السرابِ وخِلناها لنا وطناً /
طار النِقابُ فبانَتْ … إنها الوَسَنُ
كانتْ جناناً لأجدادٍ هنا ولدوا /
تسابقتْ يومها في ساحِها الحُصُنُ
وفي مرابعها كم قد حلا سَهَرٌ /
وكمْ حَلَتْ صُحبةٌ ، بل كم حلا سَكَنُ
هنا ارتقى الفنُّ دوماً في مسارِحِنا /
وشعبُنا الماهِرُ المضيافُ والذَّهِنُ
هنا بلادٌ ، غناءٌ في مسارِحِها /
” تُرَحْبِنُ ” الشِّعر ، فيروزاً غدا الوطنُ
لبنان ما كان ارضاً بل سماءٌ هنا /
قد كان جنَّتَنا ، كانت هنا عَدَنُ
دارَ الزمانُ على قومي فأفقرهم /
ما عاد منهم عليمٌ عالِمٌ فَطِنُ
عدنا عصوراً وعاد الظلمُ يركبنا /
إلى جهنَّمَ قادونا ، هنا دفنوا
رُحماكَ ربي ! أليسَ العدلُ في خَطَرٍ /
لو يصنعُ العِطْرَ عطّارٌ به نَتَنُ ؟!
.*شاعر وروائي من لبنان
*اللوحة للفنان التشكيلي موفق مخول– سوريا
تابعونا على صفحة الفيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews