“مع الحلم اللوقيانوسي”.. د.عبدالوهاب أبوصالح

|| Midline-news || – الوسط …
.
حَلِمَ “لوقيانوس” أنّ امرأتين أمسكتا بيديه، وأنّ كلّ واحدةٍ منهما كانت تحاول أنْ تجتذبه نحوها بقوّةٍ حيث تقول إحداهنّ: إنّه يخصّني وأنتِ تريدين انتزاعهُ منّي والثانية تقول: إنّ ادعاءكِ بما لا يخصّك لن يجديكِ نفعاً. وبعدها اتفقتا أن تتركاه يقرّر إلى أيّ واحدةٍ سوف يميل.
أخذت كلّ واحدةٍ تشرح حول براعتها، وبما تتميز، فالأولى قالت: أنا صناعة النّحت وأنا قريبةٌ لك حسباً ونسباً تعال وانضمّ إليّ فجزاؤك سيكون عظيماً، وستبقى في بلادك، والمديح سينهال عليك لا لأجل كلماتٍ جوفاءَ بلْ، لأجل عملِ يديك، فلا تزدري مظهري الحقير، ولا تستخفّ بثيابي المغبرّة، ففيدياس الذي أبدع “زيوس” بدأ حياته بمثل هذا المظهر البسيط، وكذلك بدأه النّحات “بولكليتوس” صانع تمثال “هيرا” و”ميرون” و”براكسيتليس”، إنّ هؤلاء الرجال ينالون الاحترام كما الآلهة التي صنعوها، وإذا أصبحتَ واحداً منهم اشتهرتَ بين كلّ الناس، وجعلت أباكَ مغبوطاً، وبلادَك مرفوعة الرأس.
أمّا المرأة الثانية فقالت: لوقيانوس أنا الأدبُ الّذي تعرفه، وتستأنس به أنا من سأعرّفك على كتب القدماء، وأخبرك عن عجيب أعمالهم، وأقوالهم، وأوقفُكَ على كلّ معرفةٍ، فأزيّن نفسك، ونفسك أقدس ما تملك بأنبلَ الحُلي سأزينها بالرؤية، والعدالة، والشفقة، والرِّقّة، والإنصاف، والفهم، والثبات، ومحبّة كلّ جميلٍ، والرّغبة في كلّ نبيلٍ هذه الحُليّ هي أنبل، وأبقى ما تتحلّى به النّفس، فكلّ ما مرّ، وما مضى، وكلّ ما سيمرّ، وما سيمضي لن يخفاك سرّه سترى المستقبل معي، وسأعلّمك بأقصى سرعةٍ كلّ ما هنالك للتعلّم لا فرق إنْ كان علماً إلهياً أو حلماً إنسانياً، وسأرفعك مَركزاً من إنسانٍ فقيرٍ، وضيعِ النّسب إلى إنسانٍ تحسده، وتغبطه الناس كلّها، إلى إنسان تحترمه الناس كلّها، ويعجب به أكثرُ الناس رفعةً وثروةً. وإذا بعُدتَ عن مسقط رأسِكَ لن تبقى مغموراً أو مجهولاً في بلاد الغربة فانظر كيف أنّ سقراط ترك صناعة النّحت، عندما وجد أنّ هناك ما هو أنبل منها.
.