زيارة أخرى للتاريخ .. أحمد علي هلال

|| Midline-news || – الوسط …
.
على الأرجح أن الحدث لم يكن عادياً على الرغم من تفاوت الاستجابة له، وما نعنيه هنا ذلك الحدث الكرنفالي في دفن المومياوات الفرعونية في مقابر تليق بهم، وفي جناز يعيد التذكير بحيوات ملوك مصر القديمة وملكاتها الثمانية عشر وسيرهم وأطوارهم التاريخية والحضارية، مع بقاء سر التحنيط لغزاً حار فيه من تنكب المعرفة والفضول والشغف، بتلك الأدوات التي جعلت من أجسادهم كأنها دُفنت البارحة على الرغم من تشوهها قليلاً بفعل الزمن فحسب.
ومن يرى لتلك المواكب الاحتفالية والصاخبة والمدروسة بهندسة تشكيلها وتوزيعها وتناغمها وتكامل مكوناتها، من أزياء وموسيقى وعربات فخمة لنقل الجثامين وغناء يخيل له أنه يستعيد فيلماً تاريخياً سينمائياً أو يقف على خشبة مسرح تتسع أبعاده لتقبض على أدق التفاصيل الباذخة حدَّ الترف، لكنها المعللة «ظاهرياً» بمراسم تليق بمن صنع تاريخ مصر وحضارتها وأحداثها التاريخية، إذ لا مفارقة تسجل هنا إلا بتلك المقارنات التي نسقطها، على الحاضر، أي في مسافة العبور من ماض بعيد إلى حاضر مفارق لها، وهي ذاتها المسافة بين الحياة والموت وكيف لأولئك المحتفون أن يستنبتوا الحياة من جديد، من ذاكرة قصية بأعلامها وشواهدها، فالمشهد الكلي أبعد بقراءته بمجرد تأويل عابر، أو استجابة عاطفية وحماسية سريعة العطب، هو «مُكر التاريخ» مجدداً، وفي الذهاب إلى مضمراته وأسراره وجعلها حقيقة متجددة أمام جدليات بعينها .
موكب ذهبي كما وُصف تتدافع فيه أزمنة الماضي لتندغم بالحاضر، دون أن تدعي استشراف المستقبل، على مسافة من فهم حضارة بعينها تتواتر الأسئلة في غير مكان، هل يجوز نقل رفات الملوك وسواها من طبقات، الأمر الذي يأخذنا إلى ما هو أبعد من محض متعة بصرية ومعرفية بالآن عينه، بعيداً عن الاستحقاق العاطفي العابر لتبقى الصورة في حيز الممكن من الدهشة والفضول المعرفي، التي تجسر هوة ما بين مشهديات وكأنها تندلق من الذاكرة البعيدة وما بين واقع متغير، وبمعنى آخر بقراءة ما بين سطور الحكاية ومضمراتها، الحكاية التي حبست الأنفاس ربما لساعات قليلة بعيداً عن (لعنة الفراعنة)، الأسطورة التي تحييها المخيلة بشكل أو بآخر. أسئلة في العمق الجدلي لحدث تاريخي شديد الأهمية.