إضاءاتالعناوين الرئيسية

التنكر في زي كاتب.. محمد الترهوني

|| Midline-news || – الوسط …

.

كان الفضاء قبلكِ من الشظايا غير المترابطة، كان الزمن قبلكِ يخاف النظر إلى العاطفة في وضع ملموس..
وكان الأدب مؤامرة نحوية وسردية يتقاسمها الحزن والحنين، والعمر لم يكن أكثر من مفارقة فاترة. قبلكِ كانتِ الحياة تشبه فم بركان “إتنا” الناري، أو قبضة صقيع تضرب وجه البراعة في كل شيء.
دائماً كنت أفكر في امرأة تشبه مدن “إيتالو كالفينو” غير المرئية، خاصة المدينة المائية التي تتقاطع فيها الشوارع والقنوات. كل المدن قبلكِ كانت هاربة، غير مكتملة، وعديمة الشكل. أنا كنت قبلكِ الشخص الذي يحزنه كل شيء، والشخص الذي لا يعرف الطريق إلى عالم لا يظهر كجسد هش ماتت فيه كل النجوم القديمة. والليالي فيه صامتة وتتجنبها الأحلام.
قبلكِ كنت أمشي وأنا متنكر في زي كاتب في يده أوراق مطبوعة ومصححة باليد، قبلكِ كان نومي صفارة لاستدعاء كل الكوابيس المزعجة في ليل هذه البلاد التي تقف على بعد خطوة واحدة من الوداع، ولا أتجنب النظر إلى وجه الجار الشاحب الذي يفكر في الانتحار كل ليلة،كنت في انتظار يديكِ النحيلة والمحبة لتبعد عني يد هذا القدر بجنونها المأساوي، يديكِ هي قلعة النور التي سقطت من السماء على خد تعب منتصف العمر، قبلكِ كنت أفكر في امرأة تكون البيت الذي أسكن فيه، الشجرة التي سأزرعها أمام أيامي وأنظر إليها وهي تنمو على مهل. قبلكِ لم أكن أنظر لما وراء الأشياء، زجاج المقهى جميل لأنه محايد ولا يفكر في أن تكون خلفه بعض الأحداث الصغيرة،كل ما كنت أحتاجه من هذا العالم الذي ليس لديه الورقة الرابحة الأخيرة هو: حب مختلف وأكثر أنانية.
أنا المعذب بالأرق ونوبات التوبة البارعة التي ترحل مع شعاع ضعيف قبل الفجر، أنا الذي يحب العيش كآثم وليس منافق وأتحوّل إلى شخص منهك بسبب الإجابة عن سؤال، أنا ذلك المهمل الذي يقرأ الكلاسيكيات كي يهرب من الموقف الموقر للغاية إذا تعلق الأمر بالفلاسفة، وأضحك من مساهمتي القريبة من الصفر في عالم السياسة.
كنت أنتظر اللحظة التي أستطيع فيها المضي قدماً معكِ، أنتظر اللحظة التي أعيد فيها معكِ ابتكار غرفتي الحزينة، والحديث معكِ عن الأثاث عديم الفائدة أو لون السجادة والتفكير في تغييرها بدافع الحب والقلق.
ربما حان الوقت لجمع كل التفاصيل المتراكمة التي بدونها يفتقر العالم للحياة، ربما حان الوقت لأشعر بأن الحياة جميلة بغض النظر عن مدى البؤس البشري الذي لا يمكن علاجه، ربما هذا هو الوقت المناسب للشعور بالاختناق والنشوة بسبب حبي لكِ.
.

*كاتب وناقد من ليبيا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى