“مرايا نقديّة” تطيح بعرش أحلام مستغانمي الأدبي.. فادي سهو

|| Midline-news || – الوسط …
.
آن الأوان للرواية العربيّة أن تعيش ربيعها بعد الركود الثقافي الذي تكابده أمتنا العربيّة. في ظلّ حملات الغزو الثقافي التي تطمح إلى محو كلّ ما هو أصيل وراسخ في الذاكرة الثقافيّة الجمعيّة العربيّة. وليس غريبًا علينا البون الشاسع بين الرواية العربيّة والمتلقّين.
ولعلّ كشف النقاب عن خبايا النصّ الروائي العربيّ وسبر أغواره بالغ الأهميّة، وهذا ما نجده في الدراسات النقديّة الأكاديميّة المتّصفة بالموضوعيّة والحياديّة. لا النقد السطحي الملتحف بعباءات شخصيّة هدفها التقليل من أهمّيّة أعمال الآخرين.
من الروايات العربيّة الحديثة التي أثارت جدلًا حولها ثلاثيّة أحلام مستغانمي (ذاكرة الجسد، وفوضى الحواس، وعابر سرير). ثمّة من ذهب إلى القول إنّ رواية ذاكرة الجسد من تأليف الشاعر السوري الراحل نزار قبّاني وليس من إبداع أحلام مستغانمي. ودفع هذا الجدل الأديبةَ والناقدة الدكتورة منى شرافي تيم إلى الغوص في أعماق المتن الروائي في ثلاثية مستغانمي. ومنى شرافي تيم كاتبة أردنيّة لبنانيّة من أصول فلسطينيّة. نشأت في الأردنّ، وتقيم في بيروت حاليًّا، حازت دكتوراه في اللغة العربيّة وآدابها من جامعة بيروت العربيّة. وعنوان أطروحتها “الجسد في مرايا الذاكرة”: الفنّ الروائيّ عند أحلام مستغانمي. هي عضو في المنظّمة العالميّة لحوار الحضارات في العالم، وعضو في اتّحاد الكتّاب العرب الأردنيّين، وعضو في المجلس الدولي للغة العربيّة. صدر لتيم عدد من الأعمال الأدبيّة والنقديّة، أهمّها: وجوه في مرايا متكسّرة، ومرايا إبليس، ومشاعر مهاجرة، ولها في الدراسات النقديّة أدب مي زيادة في مرايا النقد، كما كتبت في أدب الأطفال، ولها في هذا المجال كتاب بعنوان “العربيزي والجدّة وردة” بالإضافة إلى ذلك كتبت في الشعر الحرّ حروف من نور، وكالمنى اسمي. شكّل كتاب تيم الجسد في مرايا الذاكرة الصادر من منشورات ضفاف، نقطة فارقة في مسيرة النقد الأدبي العربيّ الحديث. ويقع الكتاب في 430 صفحة من القطع الكبير.
وأهمّ ما توصّل الكتاب إليه من نتائج كانت في التفاعلات والتعالقات النصّيّة في نصوص ثلاثيّة أحلام مستغانمي وأعمال أدبيّة أخرى. ورأت الباحثة منى أنّ مستغانمي استفاضت واسترسلت في الإفادة من ظاهرة التناص في نصوص ثلاثيّتها كما تؤكّد منى أنّ أحلام أعادت إنتاج رواية ذاكرة الجسد في روايتها فوضى الحواس، وعابر سرير. فالحبكة القصصيّة هي نفسها في الروايتين كلتيهما، ولم تستطع الشخصيّات في رواية عابر سرير أن تقدّم شيئًا حديثًا، وأهمّ النصوص التي تفاعلت معها أحلام مستغانمي، وكشفت عنها منى تيم، كانت رواية الكاتب الجزائري مالك حدّاد بعنوان رصيف الأزهار فلقد كانت ظاهرة التكرار واضحة جدًّا. وشمل التداخل بين الروايتين أركان السرد الأساسيّة: الفضاء والزمن والشخصيّة. متن آخر استعانت به مستغانمي هو رواية حفلة القنبلة للكاتب الإنجليزي غراهام كرين، فيبدو أنّ مستغانمي لجأت إلى تقنية الحذف والإضافة والتعديل، وفي بعض الأحيان أخذت الفكرة وبنت النصّ بمقتضاها. ومن أبرز التعالقات النصّيّة التي كشفتها الباحثة كان التناصّ مع أشعار نزار قبّاني. فالعبارات المتناصّة واضحة وكثيرة، ولا لبس فيها، مع لجوء الروائيّة فيها إلى الحذف والإضافة والتحوير والتعديل. هذا غيض من فيض، فكتاب الجسد في مرايا الذاكرة حافل بالنصوص الأخرى التي أوردتها الباحثة، وأقامت علاقات واضحة بينها وبين نصوص ثلاثيّة مستغانمي.
وتوقّفت منى عند مسألة استشهاد مستغانمي بأقوال مأثورة لأدباء أو سياسيّين أو فلاسفة أو شعراء مشهورين، استشهاد عكس ثقافتها العميقة ومعرفتها وسعة اطلاعها على الثقافات العربيّة وغيرها، وكانت تأخذ من القول لبّ الفكرة وتبني عليه متن نصوصها حتّى وصلت إلى مرحلة النضج. ولا تقف الدراسة عند هذا الحدّ بل تتعداه إلى دراسة الأبعاد الإنسانيّة والنفسيّة والاجتماعيّة في الثلاثيّة، وتدرس أيضًا البناء الروائي بعناصره السرديّة والحواريّة والشخصيّات والأحداث. ثمّ تنتقل الباحثة إلى دراسة اللغة، تلك اللغة النثريّة الشعريّة الجليّة. فتتناول المستوى البلاغي اللغوي في دراسة معمّقة، أوصلتها إلى نتيجة مفادها أنّ أحلام مستغانمي استعملت اللغة في أسلوب شعري مبالغ فيه، وصل حدّ التكلّف والمغالاة. وفي الختام، نشيد بقيمة الكتاب من الناحية الأكاديميّة، فقد سلّط الضوء على أدب أحلام مستغانمي بموضوعيّة، وهذا ما نطمح إليه من دراسات أكاديميّة ترقى بالحسّ العلميّ والذائقة الأدبيّة النقديّة إلى مستويات تزيح الفوارق والمسافات بين المبدع والمتلقّي.