العناوين الرئيسيةالوسط الفني

لينا ديب: بحثي الدائم في الفن منحني الثقة والمقدرة على ابتكار الأفكار والتقنيات

علينا أن نسعى كفنانين إلى رفع الذائقة الفنية لدى المتلقي وإغناء الحوار معه

|| Midline-news || – الوسط …
حوار: روعة يونس
.

تشبه في فنها وحياتها “عشتار” إلهة الخير والجمال والحب والفن والعطاء والتضحية والصمود في الحرب.. فقد حققت الفنانة التشكيلية لينا ديب بفنها الجميل وثقافتها وعملها، حضوراً لافتاً في الساحة الفنية. واعتمدت نمطاً فنياً مميزاً قوامه الحس الجرافيكي المشتق من فن الطباعة، لكنها عبر تقنياتها المتفردة أثبتت جدارة تتمثل في لوحات رائعة، حملت بصمتها.. خاصة مع عنايتها بالتراث، سواء في مدينتها اللاذقية، أو التراث السوري عموماً.

لينا ديب.. النشطة الدؤوبة، التي تتسع مشاركاتها وتتنوع إنجازاتها، لا تكتفي بالفن التشكيلي كمُنتج تعبّر من خلاله عن ذاتها. بل نجدها تسخّر الفن لخدمة قضايا بلدها، وأكثر ما يبرز هذا الجانب الإنساني؛ في مجموعتها “فنانات أوغاريت” التي تُعنى بنشر الفن من جهة، ونصرة قضايا مجتمعها من جهة أخرى.
في حوار “الوسط” اليوم، نقف على بدايات ومحطات وإنجازات وطموحات عبّرت عنها فنانتنا الجميلة لينا ديب…

 

“الموسيقى والرسم”
الحوار معك أستاذة لينا، أشبه بالدخول إلى حديقة ملأى بالزهور العطرة. علي أن أتحوّل إلى فراشة وأتعرف على كل مجال من المجالات التي تخوضينها في الفن، فكيف كانت الخطوات الأولى لكِ في عالم الفنون؟

  • في بداية نشأتي كانت الموسيقى هي هاجسي .. كنت أعزف على “الأكورديون والجيتار” بتشجيع من والدي المحامي حبيب حسن ديب، وكان الرسم هو الهواية الثانية، وعند اختياري للدراسة الأكاديمية لم يكن لدينا في سورية معهد عالي للموسيقى آنذاك “كونسفتوار” مما جعل والدي يشجعني على المتابعة في مجال الرسم قائلاً لي: الرسم والموسيقى يكملان بعضهما البعض، وكان أن تعلمت على يد الفنان الكبير أحمد دراق السباعي رحمه الله.

صقلتِ هوايتك أكاديمياً.. وأنتِ الآن أستاذة في كلية الهندسة.. حدثينا عن تقاطع التشكيل مع العمارة؟

  • درست وتخرجت من “كلية الفنون الجميلة”- جامعة دمشق. ثم حصلت على دبلوم دراسات عليا، وبعدها نلت شهادة الماجستير في تخصصي من نفس الجامعة. وأدرّس في كلية الفنون الجميلة والعمارة .. حيث أن هناك عدد من المواد المشتركة بين الكليتين .فطلاب العمارة يتدربون على الرسم الحر والنظري والإخراج المعماري وعلى المنظور والعمارة الداخلية، وهي جميعها مشتركة بين الكليتين وفي النهاية التصميم واحد بين اللوحة والتصميم المعماري حيث يجب أن يحقق التوازن بين الكتل والألوان، والمساحات المحيطة.


“تراث وحضارة”

 يلاحَظ مدى اهتمامك بالمكان.. فهو غالباً سيد اللوحة لديكِ؟

  • عملت في تصميم وتنفيذ مشاريع ديكور عديدة منذ تخرجي وكنت أهتم حينها بتناسق الألوان وانسجامها مع الكتل والمفروشات الموزعة ضمن المكان في حيز ثلاثي الأبعاد، وفي اللوحة وعلى المساحة المسطحة.. كان لدي الرؤية ذاتها من حيث البنائية في التكوين وتحقيق التوازن العام.

ربما تولين “التراث” اهتماماً أكبر من باقي المواضيع. حداً نراكِ في لوحاتك حافظة وحارسة وناشرة لهذا التراث -خاصة الأوغاريتي- ما هو الهدف من تكريسك لوحات تراثية وتاريخية؟

  • ربما كانت البداية عندما شاركت في لوحة عن أوغاريت عام 2004 في احتفالية في فرنسا، بمناسبة مرور مئة عام على اكتشاف أوغاريت ، وأدركت حينها كم مهم أن نكرس تراثنا في أعمالنا الفنية . وأيضاً عندما شاركت في بينالي فينيسيا الدولي في إيطاليا عام 2017 ، بمشاركة 57 دولة عالمية عبرت في لوحاتي المشاركة عن “الحضارة الأوغارتية” وعن العراقة والأصالة وتراث أجدادنا المليء بالقصص والحكايا وكانت اللوحات هي سفيرتنا في حين أننا كسوريين حينها ممنوعين من الدخول لأي دولة.


“تطور التجربة”
من المؤكد لديكِ رسائل وقضايا اجتماعية آنية تحاولين الإضاءة عليها، هل يخدمكِ التراث في تمرير رسائل معاصرة تخص مجتمعنا الآن؟

  • بالتأكيد رسمت عديداً من اللوحات التي تعبر عن المعاناة وعن أمهات الشهداء اللواتي قدمن الغالي للأغلى .. قدمن أرواح أولادهن للوطن الغالي، ومع ذلك كان لابد لي من الربط بين التراث والأصالة ومواضيع لوحاتي لأحاول أن أعيد للماضي حضوره بأسلوب معاصر.

تُعتبرين إحدى أهم فنانات التشكيل في سورية بحسب النقاد والزملاء. ولاشك أن مسيرتك تطلبت منك الكثير من المحاولة والتطوير والابتكار. اكشفي لنا -لو سمحتِ- أسرار تطور تجربتك؟

  • شكراً لكِ، هذا تعبير أعتز به. وإن كنت أعتبر نفسي ما زلت في طور البحث والتجريب، والحقيقة إن بحثي المتواصل في المجال الفني هو من أعطاني تلك الثقة والمقدرة على ابتكار الأفكار والتكنيك الخاص بتجربتي من خلال الممارسة العملية للآلية الفنية، ولكنني أصر على أهمية الدراسة الأكاديمية والإطلاع على الثقافات الأخرى والمعارض الدولية لتكريس المزيد من المعرفة الفنية. وحالياً أشعر أن أمامي مشوار طويل من الإنجاز الفني المرفق بغزارة الأفكار الكامنة في أعماقي إن أعطاني الله الصحة.

“رسالة المعارض”
قدمتِ الكثير من المعارض محلياً وخارجياً.. أي هدف كنتِ تسعين إليه: إطلاع المتلقي على المحتوى الفني الفردي لديكِ. أم سماع الرأي الجمعي بتجربتك؟

  • ما يهمني حقيقة هو الإنجاز الفني وتحقيق أفكاري وأحاسيسي التي أصيغها على المسطح الجغرافي الأبيض، لتصل إلى المتلقي بالشكل الفني المناسب. فعلى الفنان أن يسعى إلى رفع الذائقة الفنية لدى المتلقي وبالتالي يصبح الحواراً بين الفنان والمتلقي هو ما يصبو إليه الفنان. وهذا ما يهمني. بمعنى أنني أعرض تجربتي الفنية كما أشاء لها أن تكون.

لديك الكثير من المهام والمسؤوليات.. إنما لا نعرف إن كنتِ عانيتِ -خلال الحرب- كفنانين كثر من صعوبات ما أعاقتك فنياً؟

  • نعم، صعوبة ومتطلبات الحياة اليومية تعيق الفنان عن العطاء الفني، إنما في فترة الحرب اجتمعنا مجموعة من الفنانين التشكيلين في اللاذقية، وكنا نقيم معارض مشتركة لمرتين في الشهر، لتمرير رسالة كنوع من الإصرار والتحدي بغية الاستمرار. وهنا لابد لي أن أوجه تحية للصديق الفنان القدير “سموقان” الذي كان ينظم تلك المعارض آنذاك.

“فنانات أوغاريت”
في هذا العام تشهد بلادنا أزمات عديدة: الخروج من الحرب الذي كلفها حرب اقتصادية وحصار ضد شعبها. جائحة فايروس “كورونا” واحتراق الغابات. كيف ترين دور الفنان التشكيلي، كمبدع وتنويري، خلال هذه الأزمات؟ ويمكن التطرق إلى دورك شخصياً؟

  • للأسف أزمة إثر أزمة مرت على سورية الحبيبة.. لكن هنا يبرز دور الفنان التشكيلي في تحفيز طاقات الآخرين وفي بث روح الفرح والأمان في النفوس، عن طريق الأعمال الفنية، التي تخلق البهجة لدى المتلقي عند تأمله للعمل الفني الذي يعبر عنه ويلامس أحاسيسه. وهذا كان دوري على الصعيد الشخصي، إضافة إلى الملتقيات الفنية التشاركية مع الجمعيات الأهلية في المحافظات ضمن محموعتي “فنانات أوغاريت”.

 إن أمكن التعرف إلى فكرة إنشاء تجمع أو ملتقى “فنانات أوغاريت”. الهدف والأنشطة التي تقومون بها؟ ولماذا فنانات دون فنانين؟

  • بدأت الفكرة عام 2018 مجموعة من فنانات تشكيليات من عدة محافظات سورية بأن نقوم بنقل الفن إلى الواقع بهدف تنشيط دور الأسرة بعد الحرب، عن طريق التشاركية مع الجمعيات الأهلية. فنقوم كفنانات بإنجاز أعمال فنية بمشاركة أعضاء الجمعيات من الأطفال (ذوي الاحتياجات الخاصة- مرضى سرطان الأطفال- سرطان الثدي- النساء المتقاعدات-المشردين).  وأخيراً كانت الفعالية مع مواهب “مشروع بكرا إلنا” في محافظة دمشق. وكانت الفكرة فنانات فقط بهدف إبراز دور المرأة الفنانة وعطاءاتها.

“آراء وطموحات”
لا يمكن أن نختم اللقاء دون الوقوف على رأيك في الحركة التشكيلية في مدينتك، ثم في عموم سورية؟

  • هناك كم من الفنانين التشكيليين النشيطين في محافظة اللاذقية، لم ننقطع عن المعارض الفنية والملتقيات. إنما بسبب الظروف المعيشية الصعبة لا بد أن تقل حالة الإنتاج الفني بسبب توجه الفنان لتأمين معيشته عن طريق عمل آخر، مما ينعكس سلباً على الإنجاز الفني. وهنا لا بد لي من أن أتوجه إلى المعنين في الدولة لرعاية الفنانين واقتناء أعمالهم الفنية بشكل يضمن لهم عيشة كريمة.

نحب أن نودع فنانتنا لينا ديب، من خلال التعرف إلى طموحاتها ومشاريعها الجديدة؟

  • كل يوم يبدأ من جديد، يخلق لدي أمل جديد، وطموح بعيد المدى أرنو إليه بناظري وخيالي، وهذا هو سر الحياة والاستمرار.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى