الفنانة التونسية د. ابتسام بن الكيلاني : اخترت معالجة قضايا الإنسان المعاصر ورصد هواجس القلق والاغتراب لديه
أشعر بالحبور حين يشاركني طلابي معارض فنية جماعية

|| Midline-news || – الوسط …
إعداد وحوار: روعة يونس
.
شَغُغت الفنانة التونسية ابتسام بن الكيلاني قسومي بالفن كثيراً، فاحتضنت الفن التشكيلي والنحت والخزف، وتناغم داخلها الشغف مع الموهبة والإبداع ببراعة، لذا اعتُبرت من الفنانات المبدعات المتميزات في تونس. إذ لم تكتفي بموهبتها وحبها للفن، بل دعمته بالدراسة الأكاديمية وصولاً إلى الأستاذية في الفنون التشكيلية (اختصاص خزف) ثم الدكتوراه في علوم التراث (اختصاص فسيفساء).
انشغلت فنانتنا الجميلة بالتدريس في “المعهد العالي للفنون والحرف” في عدد من المدن التونسية. وآثرت الاهتمام بطلابها ومشاريعهم الفنية الجامعية، وانصرفت إلى تشجيعهم وتعليمهم.
كما شاركت الكيلاني خلال سنوات تُعد على أصابع اليدين في عدة معارض جماعية، وأقامت مجموعة معارض فردية، عرضت خلالها أفكارها النحتية ونصوصها اللونية ومشروعها الفني الإنساني.
وساهمت كذلك في تنظيم العديد من الأروقة واللقاءات والفضاءات الفنية التي تعكس حبها للفنون وإيمانها بدور الفن في المجتمعات.
الدكتورة ابتسام بن الكيلاني القسومي، ضيفة عزيزة على “الوسط”، كيف لا وهي سيدة رائعة من سيدات الوسط الفني في تونس الخضراء.
“تأثير البيئة”
تعتبر ابتسام بن الكيلاني إحدى أهم فنانات تونس، فضلا على كونك أكاديمية متخصصة في الفنون، إنما نرغب التوقف أولا عند ابتسام الصغيرة، وبدايات التوجه إلى الفن؟
أنا عشت في وسط يعيش بالفن، فنشأتي كانت في مدينة نابل التونسية التي تعرف بإنتاجها الخزفي، علاوة على كونها وجهة سياحية هامة يقبل عليها الزوار من كل أصقاع العالم، وفي هذا تجد أسواقها تعج بالمنتجات الفنية، وهذا ما كان حافزا أساسيا في اهتمامي بالفن، هذا طبعا إلى جانب أن أمي كانت تصنع الخزف للاستعمال الشخصي ( أواني فخارية- طواجن طبخ- أواني لحفظ المأكولات…) ومن هنا تولد عشقي للفن وكانت بداية ممارستي له قبل الالتحاق بأكاديمية الفنون الجميلة.
اخترت دراسة الفنون، وتخصصت بها، فما الذي أضافته “الأكاديمية” إلى موهبتك؟
كما سبق وذكرت كان اهتمامي بمجال الفن منذ طفولتي، لكن تعبيراتي الفنية كانت مجرد أعمال بسيطة لا تخلو من الانزياح التقني والانصياع لضوابط العمل التي خبرتها من محيطي، والأكاديمية كانت منفذا لتعلم عدة تقنيات مختلفة للتعبير وكذلك التعرف على تاريخ الفن والإطلاع على المنجزات العالمية، ومنها خبرت معنى المفهوم الفني وتدربت على حسن توظيف الأفكار وإدراك الخيارات والتوجهات الأفضل. هذا إلى جانب فرصة الاختلاط بالفنانين المحليين وقد كان لي شرف الدراسة تحت إشراف فنانين تونسيين معروفين محليا وعلميا.
“تخصص فني”
جمعت بين الرسم والنحت والخزف..لكن لابد من وجود ميل واهتمام بنمط فني أكثر من سواه، أيهم الأقرب إلى الدكتورة ابتسام؟
لا أخفيكِ القول بأن عشق الخزف تأصل في جذوري منذ طفولتي، لا سيما بعد أن خضت فيه أشواطا كبيرة، إنجازا وتدربا. حيث أضحت لي خبرة لابأس بها في هذا التخصص الفني.
شاركت في عدة معارض فنية.. وقبل سؤلنا عن معارضك الشخصية، حبذا لو تخبرينا: ما الذي تسفر عنه المشاركة في معارض جماعية؟
المعرض الجماعي هو فرصة للقاء وتبادل الأفكار مع الفنانين، كما أنه يعتبر محطة مهمة في حياة الفنان لعرض أعماله والتعريف بها، لاسيما أن الإعداد لمعرض شخصي يتطلب وقت قد يصل لسنوات، ولهذا فإن المعرض الجماعي بمثابة الفرصة لخروج العمل من سجن الورشة. إلى جانب تقييم الذات مقارنة بالنهج الفني المعتمد والتعرف على طرق التعبير.
“مجموعة معارض”
قدمت عدة معارض تشكيلية شخصية حملت عناوين من بينها (همسات- صرخة- العبور) وغيرها، ألا يفترض أن يحمل كل معرض جديدا في رؤاك الفنية، ويعكس تصورا في تجربتك؟ حديثنا عن ذلك لو سمحتِ؟
إن كان القصد بالجديد على مستوى الأسلوب والتوجه الفني، فهذا ينطبق على الفنان الذي اختار التجريب وعدم الالتزام بنهج وتصور فني محدد، وأنا تجربتي عكس ذلك فقد اخترت التوجه نحو معالجة قضايا وهواجس محددة أبرزها (وجودية علاقة الأنا بالأخر/ المرأة/ قضايا الإنسان المعاصر: التشتت، القلق، الاغتراب) لهذا فإن معارضي في مجملها تتفق حول هذه القضايا، ويبقى التجديد بالنسبة لي يرتكز على التناول التقني حيث ذهبت لاعتماد أكثر من جنس فني (خزف/ رسم زيتي/ نحت/ حفر فني..) كما أنني حاولت استحضار أكثر من نهج وأسلوب فني في تعبيري عن هذه الهواجس فنوعت بين التشخيص والتجريد، وأحيانا أنتصر للفكرة وأتجرد من الشكل.
لديك العديد من المنجزات في مجالات (التكوين والتربصات المهنية والخزف بأنواعه) ضعينا في أجواء تلك الإنجازات الخاصة بفن الخزف؟
نعم، خضت عدة تربصات وتكوين في عدة مجالات فنية لكن أغلبها كان في تخصص الخزف: ( تقنية الراكو/ التشكيل الخزفي/ الأفران/ سبل تركيب ومزج الألوان الخزفية) وهذا عائد لأمرين أولهما تطوير مهاراتي ومواكبة التطور الحاصل في هذه المادة والإطلاع على جل التقنيات المختلفة التي توظف فيها، وهو ما من شأنه أن زاد من تقوية زادي التقني في المعالجات الخزفية المختلفة، والشيء الثاني هو سعي إلى التدرب على كل ما هو جديد حتى أساعد طلابي على معرفة التقنيات والتدرب على تطبيقها.
“عطاء وإيثار”
قرأت مقالا يشير إلى أنك انصرفت إلى الاهتمام بالتدريس الجامعي ورعاية مواهب طلابك أكثر مما انصرفت إلى تعزيز انتشارك الفني إعلاميا، هل تنصب رسالتك في “العطاء و الإيثار”؟ وهل حقا قصرت في حق ظهورك الإعلامي المحلي والعربي؟
لا أخفيك القول أني قد قصرت فيما ذكرتِ، ولكن عزائي الوحيد في ذلك أني آثرت الاهتمام بطلابي وبعائلتي على تحقيق أهدافي الشخصية، هذا إلى جانب أنني اخترت مواصلة البحث العلمي وإكمال رسالة الدكتوراه وهي فترة جعلتني أقضي كل وقتي في ثلاث مهام (التدريس/ العائلة/ البحث) ولعل هذا ما أبعدني عن الإعلام. لكن اليوم والحمد لله أحاول أن أوازي بين طموحي ونشر تصوراتي الفنية والتزاماتي العائلية والأكاديمية. كما أن عودتي لتطوير تجربتي والتعريف بها يعود أثره على طلابي حيث أن الخبرات والمعارف التي أكتسبها أنقلها لهم مباشرة.
تعملين مساعدة للتعليم العالي في جامعة جندوبة في تونس، وسبق أن قمت بالتدريس بالمعهد العالي للفنون بالقيروان، وهذا يعني أنك لست فنانة فقط؟ بل خرجت دفعات من الفنانين التونسيين.
نعم، هو كذلك؛ عندي قرابة أثنى عشرة سنة وأنا أدرس بمعاهد الفنون بتونس، مما يعني أني أشرفت على تخريج 4 أجيال، بما أن سنوات الدراسة في المعاهد 3 سنوات، طبعا ليس كلهم توجهوا نحو التفرغ الكلي للممارسة الفنية التشكيلية، نظرا لأن الفن بتونس لا يمكن أن يكون مصدرا للرزق! ولكن هناك عدة طلبة أصبح لهم الحضور المهم في الفن التشكيلي التونسي، وفي النحت والخزف، ولا يمكنك تصور سعادتي عندما يشاركني أحد طلابي معرضا جمعيا، فأنا أفتخر بهم جميعا.
“معارض إلكترونية“
شاركت مؤخرا مع زوجك الدكتور طلال قسومي، في معارض إلكترونية عبر الأنترنيت. ما هو العمل الذي شاركت به أولا؟ ثم هل يمكن أن تضعينا في أجواء علاقتك (الإبداعية) مع زوجك؟ وإلى أي مدى تدعمان بعضكما فنيا؟
لاقت فكرة المعارض الافتراضية انتشارا كبيرا في الآونة الأخيرة نظرا للظروف العالمية في ظل جائحة “كورونا”، وقد استهوتني هذه الفكرة فعملت على المشاركة في عدة معارض بالوطن العربي، ومن بين الأعمال التي شاركت لوحة زيتية بعنوان “رقصة كورونا” وهي بمثابة دعوة للتفاؤل والسعادة وزرع للأمل لتجاوز هذه الجائحة العالمية. وقد شاركني زوجي د. طلال في أغلب هذه المعارض، فرغم البعد والمسافة لازلنا نتشارك الإبداع فهو الآن يدرّس بالإمارات. كما تشاركنا من قبل في عدة معارض ومن قبلها تشاركنا الدراسة وصولا لمرحلة الدكتوراه وكنا نمارس التدريس بذات المعاهد؛ أي أن علاقتنا ممتدة في روابطها الإنسانية وكذلك الفكرية حيث كنا نتقاسم ذات الطاولة وذات الأدوات أثناء إنجاز أعمالنا، كما أننا نقوم بتبادل الأفكار ونقد بعضنا البعض قبل أن نخرج المنجز للعرض، وعلاوة على اهتمامه بمجال التطبيق في الفن، فإن زوجي له عديد الدراسات النقدية المنشورة، ولا أخفيك سرا قلمه يعجبني وسبق أن كتب عن تجربتي ذات مقال خلال مسيرتنا (17 سنة منهم 6 سنوات زواج) وأخيرا فإن عشقنا للفن يشمل جل مجالاته تطبيقا ونقدا، وقد بدأ هذا العشق يتسرب شيئا فشيئا لأبنائنا.
هل بالإمكان أن تخبري قراء صحيفة “الوسط” عن واقع الحركة الفنية في تونس الشهيرة بالفنون والثقافة؟ وهل ثمة ما يعيق انتشار الفنان التونسي؟
الحركة الفنية في تونس يناهز عمرها الآن القرن ونيف، وهي ممارسة ثرية ومتنوعة وفيها العديد من المبدعين، واليوم أضحت أكثر تنوع بانخراط خريجي الأكاديميات الفنية الشبان في مسارها وهو ما خلق ثراء وتنوع فكري وأسلوبي، لكن يبقى العائق الوحيد أمام انفتاح هذه التجربة العالم هو الرعاية المادية فلا أخفيك أن الفن بتونس كنا سبق وذكرت لا يمكن أن يكون مصدرا للرزق نظرا لغياب سوق حقيقة للفن، إلى جانب نقص الإقبال الجماهيري مثله مثل سائر البلدان العربية.