العناوين الرئيسيةكشكول الوسط

رولا أبو صالح: من خلال الأطفال أرسمنا نحن الكبار قبل أن نصبح مسيرين ونخضع لبرمجة الوعي الجمعي

لا يمكن الإجماع على رأي يخص الفن لأننا نفتقر لثقافة اللوحة!

|| Midline-news || – الوسط …

روعة يونس

 

الإحساس بالبهجة والغبطة أول ما ينتابك حين تدخل مرسمها وتشاهد لوحات الأطفال المنتشرة في كل مكان، يرافقون الفنانة التشكيلية رولا أبو صالح، بل يتشاركون أفكارها، وليس العالم المادي فقط. ويتقاسمون مشاعرها كغنيمة خالصة، خاصة أنها كرّست فنها في السنوات الأخيرة لهم.
الجميل في الأمر.. أن عالم الأطفال لدى رولا يتعداهم إلى الرأي والرؤية المتصلة بعالم الكبار، فتوصل من خلالهم فكرها الإنساني ونصّها اللوني.
ولا يُختزل فن رولا أبو صالح في الطفولة فقط! إذ منذ بداياتها الفنية تنوعت طروحاتها وأفكار لوحاتها. وهي إلى جانب ذلك صاحبة قناعات ومفاهيم تتصل بفن التشكيل وعالمه، كما ستلاحظون في حوار “الوسط” معها.

ترجمة الأفكار
ظهرت موهبة الرسم لديكِ منذ كنتِ في مثل سن أطفال لوحاتك، ما هي ذكرياتك عن تلك المرحلة؟

  • كانت طفولة مؤجلة, لم أستمتع بالألعاب كباقي الأطفال، كنت أرسم طوال الوقت. كان هاجسي أن أستخدم تقنيات الفنانين وأدواتهم ، كنت أتمنى لو ألتقي أحدهم لأقترب من عالمهم, ولكن ذلك لم يحصل, فكان حلمي أن أجرب الألوان الزيتية.

بعد الثانوية، درست التشكيل أكاديمياً، في معهد أدهم اسماعيل للفنون التشكيلية؟ لما كان هذا خيارك؟

  • كنت دائماً أشعر أن تجاربي وأبحاثي في هذا المجال لم تكتمل بعد, وكان لابد من أن أستمع لصوتي الداخلي الذي يحثني أن أدرس الفن, ففي حين كنت أدرس كلية الترجمة كان لدي إيمان بأن الكون يختار لي الأفضل لأنني أحتاج لترجمة أفكاري وتفريغها بالرسم لا بترجمة الكلمات, فقررت ترك كلية الترجمة وانتسبت للمعهد. وكانت بداية جيدة، لاشك أن الأجواء التي يؤمنها المركز للطلاب وحرية البحث أضافت الكثير لتجربتي.

اسلوب خاص
يرى البعض؛ أنه لزاماً على الموهوب في فن الرسم دراسته أكاديمياً والاطلاع على المدارس الفنية وعصوره عبر الزمن؟ ألا يمكن أن يتأتى ذلك من الثقافة العامة والقراءة- المطالعة المتخصصة؟

  • على العكس تماماً, أرى أنه يجدر بالموهوب ألا يلتزم بشيء! فالالتزام يقيد تجربته ويحجّمها. لماذا لا نجرب الاطلاع على بواطن ذواتنا ومحاولة استخراج ملكات خيالنا، لماذا نملك هذه الملكة أصلاً، وماذا يجدر أن نفعل بها؟ الفن يجب أن يكسر جميع القيود، لا بأس بالإطلاع على التجارب الأخرى ودراسة التقنيات, فهي تغني تراكماتنا المعرفية، ولكنني أفضل البحث الحر أكثر من الممنهج، وأفضل التجريب بنفسي للوصول الى تقنيات جديدة.
    كثيرون ممن يلتزمون بمنهج معين يعنتقون اُساليب أساتذتهم وبالتالي يتم نسخ الأساليب بطرق تخلو من الإحساس. لكننا لسنا بحاجة للمزيد من النسخ! الفنان الحقيقي هو من يعمل على اسلوبه الخاص من وحي روحه بدون التأثر بغيره, يجب أن يبحث في أعماقه, لابد أن هنالك رسالة ما تدفعه للرسم وإلا كان ذلك نوعاً من الحِرف أو الزينة والديكور.

مخاطبة القلب والروح
 إنما سألتك، من منطلق “شكاوى” معظم الفنانين بأن “خريجي الكليات والمعاهد الفنية” لا يجدون عملاً(!) فالرسم يُطعم خبزاً، والذائقة العامة لا تتجه نحو اقتناء اللوحات؟

  • بالنسبة للعمل أصبح الأمر واضحاً للجميع أن معظم الشهادات والدراسة الأكاديمية لا تمت للحياة المهنية بصلة في أغلب المجالات! فالمنظومات العلمية تتقصد تحجيم الفكر لتحافظ على تبعيتنا لها! أما بالنسبة للفن فالأمر يختلف تماماً.. لكن ببساطة لا يمكننا دمج المفهومين معاً، فهو شيء حدسي لا إرادي كيف يمكننا أن نحول أمراً لا إرادياً الى مهنة؟!
    الفن يخاطب القلب والروح ولايخاطب العقل، لا يمكننا اعتبار الفن مهنة هو حالة شعورية، الفن رسالة، حالة مؤقتة غير مستقرة. فالرسم والزخرفة والأعمال الكلاسيكية التي تعنى بالشكل، يمكن توظيفها كحرفة، أي أن نتخذ الناحية الجمالية والامتاع، وهنا نُخرج الفن من حالة الألوهة ونجسده.. ويكون بعيداً عن الإبداع والابتكار.
    تختلف وجهات النَّظر كما يقول نيتشه “أنا لديّ طريقي، وأنت لديك طريقك، أما بالنسبة للطريق الصحيح والوحيد فلا وجود له”.

كيف يتم تقييم العمل الفني برأيك، طالما أنه ليس هناك إجماع في التذوق؟

  • بل لا يمكن الإجماع حتى على رأي يخص الفن -خاصة في بلادنا- لأننا مازلنا للأسف نفتقر لثقافة اللوحة! ولأن الأمر نسبي, فما يراه شخص ما، قد لا يراه آخر, حيث كل متلقٍ يعكس ما يناسبه بحسب درجه ثقافته ووعيه، وأحياناً حسب السائد والمألوف فلا قواعد للتقييم!

أعتبرني طفلة
وماذا عن الأعمال الفنية التي أنجزتها في بدايات دخولها معترك العالم الفني التشكيلي؟ كيف كان شكل عالمك آنذاك؟

  • كنت منهمكة بشغف بالتجارب ولم يكن لدي رسالة واضحة, كانت أعمالي تتنوع بين الطبيعة والطبيعة صامتة والمنحوتات والمسنين والأطفال ومواضيع كثيرة أخرى, ولازلت احتفظ بالكثير منها, اشتاق لها وأحتاج لأن أراها كل فترة، فلكل مرحلة جماليتها وتلك الخطوط لا تتكرر.

من يرى معظم لوحاتك يجد سيطرة لوحات الطفولة؟ ما البعد النوستالوجي لذلك التوجه لديكِ؟

  • في الحقيقة لا أعلم لماذا كلما جلست أتأمل خيباتنا أرسم الأطفال! أحياناً أرغب في أن نعود جميعناً أطفالاً وتنتهي كل هذه المهازل فأهرب واعتبر نفسي طفلة وألهو في عالم الألوان, وأحياناً أخرى أفكر أنني ربما لا أقصد الأطفال, إنما نحن في البدء قبل أن نصبح مسيرين ونخضع لبرمجة الوعي الجمعي.
    ثمة شيء ما في العمق يدفعني في محاولة غير واعية لتقليدهم والتعلم منهم, وفي عيشهم اللحظة. فالأطفال لا يعيشون في الماضي, إنما يستمتعون بكل شيء في وقته، دائماً مندفعين لا مشاكل لديهم ولا هموم, أفضل التواجد بينهم لأنني أشتاق لأن أتذكر كيف كنت في تلك المرحلة العمرية حيث الصفاء الروحي وانعدام التفكير والعيش ببطئ غير متأثرين بتسارع الزمن.

تجسّد الروح
أعلم أن لديكِ فلسفة تتصل بالتماهي بين عالمي الصغار والكبار: هل ترسميننا نحن الكبار من خلال الصغار؟

  • أطوع شخصياتي لتخدم الفكرة وتلامس الواقع، بالنسبة لي لا يهم الجسد بل أرسم الروح بمراحل تجسدها, هنا لا أعلم ربما تكون روح قديمة قد مرت بتجسدات كثيرة قبل أن تتجسد، فيولد الطفل ذو وعي يفوق وعي والديه ويبدو وكأنه كبير.

ضعينا في أجواء معارضك، سواء كانت لديك مشاركات في معارض جماعية أو معارضك الفردية؟

  • أرسم كثيراً ويزدحم مرسمي بالأعمال في حين أخاف وأتردد في عرض أعمالي لأنني اعتبرها خاصة بي فهذه العوالم تدور بداخلي أنا، إذاً لمَ على العالم أن يتحمل معرفة كل هذه المهاترات، ولكن عندما أتذكر أننا متصلين ببعضنا البعض أتجاوز تلك التداعيات بأنها تدور في العقل الكوني وأنا من أستشعرها فأرسمها وأقنع نفسي أنه ربما لم يحن الوقت بعد لترى النور.

عشرات الأسئلة
لديكِ اهتمامات بالغة بعالم الطفولة، ترسمين عوالمهم وغرفهم وقاعاتهم، حدثينا عمَّن ترسمين؟

  • لا أعلم ما الدافع الحقيقي وراء كل ذلك، في داخلي تتصارع هذه الأفكار لتظهر فأرسمها بدون وعي أنا فقط وسيلة نقل لهذه الشخوص أنقذهم من متاهة عقلي وأستيقظ في اليوم الآخر وأتفقدهم, من ثم تدور في رأسي عشرات الأسئلة, من هؤلاء؟ ولماذا أرسمهم؟ في حين أستمتع بقدرة عالية لأرسم لوحات جميلة تزين الجدران، ولكنني لا أرسم للزينة، بل أنقذ هؤلاء من متاهة عقلي وأوصلهم للبعد المادي الذي نعتبره برأينا بر الأمان فأدوّن أحلامي قبل أن أنسى، لعلها توصلني لطرف خيط في تجربتنا الأرضية طالما أننا لم نتوصل بعد لحقيقة وجودنا.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى