العناوين الرئيسيةكشكول الوسط
الشاعر المصري الذي أحب الشعر فاختاره النثر.. عمرو أبو زيد: عاهدت نفسي إن لم أقدم إضافة حقيقية سأتوقف عن الكتابة
تحيزت للمرأة قلباً وروحاً فكان لها النصيب الأكبر فيما أكتب

|| Midline-news || – الوسط …
حوار: روعة يونس
عشرة أعوام، والشاب البورسعيدي، شاغل الناس ومالئ العالم الأزرق. فمع كل نص يكتبه الشاعر عمرو أبوزيد، يثير الانتباه والإعجاب والنقاش. لأنه اختار أن ينطق بلسان الإنسان وأن ينوب عنه في رصد أحواله ما بين آلام وآمال.
ولعل أهم ما يتصف به أبوزيد هو اهتمامه بآراء الأصدقاء والقراء. ونقصد بالاهتمام؛ تمتعه بالصدر الرحب، ومرونة التعاطي مع مختلف الآراء، التي تنتقده بقسوة، أو تؤيده وتشجعه، سواء فيما خص مجموعته الشعرية “نشيد لامرأة زرقاء” أو أينما نشر في الصحف أو في صفحته على “فيسبوك”.
عوّل شاعرنا في تجربته على الزمن والنضج والوعي الذي لا يأتي إلاّ بعد عثرات وأحزان وتجارب إنسانية وقرائية، لذا قرر أن يُشكل إصداره القادم “إعصاراً”، وهذا لم يكن مجرد وعد للآخر. بل اشتراط على الذات.
سؤال غير متوقع
في مجموعتك الشعرية “نشيد لامرأة زرقاء” حضرت مصر كلها، بمفردات الحب والشوق والعتاب والفراق. وأيضاً الشارع والمدينة والفقر والشهداء والوطن.. والحياة كلها! هل كان العنوان مضللاً؟ أم مظلة لكل تلك المشاعر والتفاصيل والأساسيات؟
- ربما كان اختيار عنوان الكتاب أكثر صعوبة من مادة الكتاب نفسه، لأنه مثلما يُقال “الكتاب يدل عليه عنوانه” وفي فترة إصدار الكتاب حاولت باستماتة انتقاء العنوان الذي يكون بمثابة الشمعة التي تدل القراء في نهاية النفق الأدبي. وبحكم أسلوبي أو منهجي القائم على الحب كمُعتنق، والمرأة كعقيدة دنيوية خالصة، قررت اختيار العنوان الذي يشير إلى المرأة. وفي نفس الوقت كان اختياري لابد أن يكون برّاقاً وملفتاً في نفس الوقت. وعلى القُراء الحكم حينها على محتوى الكتاب.
بخصوص المفردات، أنا ممن اصطفى الصخب في الحياة ولربما الحدة كانت مرجعي الأهم. فتلاحظين حدة الألفاظ. ولا أعلم سبباً واضحاً لذلك، لكن هي تكونت من تلقاء نفسها مع الوقت والعمر والأحداث والسعي، مثل شخصية قامت قيامتها على الغضب من فرط المعاناة.
لغة المجموعة وأفكارها وتقنياتها، كانت في كفة ميزان. وفي كفة أخرى تربعت الصور الشعرية. كيف تمكّنت من خلق صور قوامها الابتكار والإدهاش، دون إضاعة معاني النصوص وأفكارها؟
- لطالما تمنيت أن أُجيب على هذا السؤال -صدقاً لم أتوقعه-! لكنني أجبت عنه بيني وبين نفسي مئات المرات، لأنني ممن يُحاسبون أنفسهم من وقت لآخر لمعرفة ما تم وما لم يتم. وأعتذر عن الإطالة بخصوص هذا السؤال فأنا في غاية السعادة لأنني سئلت هذا السؤال، ولأنني سأُخرِج الإجابة بعدما تعتقت بداخلي كثيراً. ولنتفق أولاً أنني أُحب اللغة العربية بشدة، ولكن في أولى محاولاتي في الكتابة لم أكن أملك “الكاريزما” الأدبية، والشخصية التي تُساعد على خلق لون خاص بي.
كانت لدي اللغة وافتقرت للقوام والأساس الذي سأبني عليه مشواري الثقافي، هناك مفردات وخلفية معقولة إلى حد ما. ولكن ليس هناك شكل واضح للنهج، فكان للوقت مفعول السحر معي، كنت أُجرِب كتابة النصوص التي في غالب الأحيان لم تكن تعجبني، وأُحاول عشرات المرات للوصول إلى الصيغة الأمثل، إنما مَن أنا لأُحدد الصيغة الأمثل؟
أنا عمرو حسن أحمد أبوزيد. حاصل على بكالوريوس خدمة اجتماعية.. درست علم النفس والفلسفة، وسأتوقف عند علم النفس والفلسفة لأنهما أضافا لي الكثير مع حبي للغة العربية. فكانت هنا التركيبة الغريبة، ولأنني عاهدت نفسي في أول المشوار أنني لو لم أقدم الإضافة الحقيقية، سوف أتوقف عن الكتابة تماماً. وطوال هذه السنوات أحاول ابتكار الجملة الشعرية البرّاقة والمتماسكة بحيث أنه لا يختلف عليها اثنان.
لستُ أنا المقياس ولا أقوى على هذا التكليف الصعب ولكن أعوّل على الزمن والتطور والنضج الذي لا يأتي بسهولة.
قبل الفيسبوك وبعده
يحق لنا السؤال عن “امرأة زرقاء” هل القصد هنا السماء، الروح، الشفافية، أم ليس كل ذلك، بل هي امرأة وكفى؟
- بكل صراحة أنا مُتحيّز للمرأة قلباً وقالباً وكياناً. لهذا كان لها النصيب الأكبر فيما أكتب. وبطبيعة الحال سعدت بأن المرأة كانت بمثابة النجمة المتوهجة التي رصعت بها كتابي.
أرجأت السؤال (التقليدي) عن أولى خطواتك مع الحرف، لئلا يكون أول سؤال في الحوار. أخبرنا قبل “امرأة زرقاء” كيف سرتَ مع الكتابة؟
- بدأت الكتابة منذ ما يزيد عن ١٧ عام على الورق، وطبعاً كانت محاولات ركيكة جداً؛ وفي السر. لأنني نشأت في بيئة حادة لو كنت صرخت بحبي للكتابة والشعر وقتها كنت سأبدو كمن يضحك ويُقهقه في سرادق عزاء! لذا قررت الكتابة في السر، يعني بعض الخربشات، مرة عن التحدي ومرة عن الحب ومرة عن الحياة. حتى جاء “الفيسبوك” واتسعت الفرصة، فصرت أجرب من خلاله. وللأمانة تخلصت من نتاج سنواتي الأولى لأنني شعرت بأنه لا يرقى للمستوى. وإن حق القول فقد اعتبرته مثل مسودةٍ لمرحلة مقبلة أكثر تطوراً واتقاداً.
النثر يكسب
لا أدري، قد يكون سؤالي مدعاة ضيق لك، مع أنه يحمل دلالة تطور ما! فبعد إصدار مجموعتك الشعرية، تبدو الآن في (النثر لا الشعر) أكثر حضوراً، وأعلى مقدرة، وضمن الأهم من أبناء جيلك في مصر؟ هل يحزنك ذلك، أم أنك اقصدته لاختبار قدراتك في النثر؟
- بالعكس تماماً أنا دخلت هذا الحوار مع “الوسط” وكلي جوع لأشرح نفسي بالطريقة التي تُرضي ضميري وقلبي. ولأنني لم أختر النثر، واعتبره هو الذي اختارني! لأنني أؤمن بالشساعة المطلقة، فآمنت بالنثر وفضلته عن الشعر، والذي هو بطبيعة الحال سوف يُقيّدني فيما أكتب ويُلزمني بالقوافي والبحور والأوزان.
إذاً، لماذا لم نجد لك إصداراً جديداً، ألم يحن موعده بعد؟
- إصداري الأول كان عن طريق الصدفة البحتة ولم أُخطط له ولهذا أنا منغمس إلى آخري في الواقع وفي الحياة، أخوض حرباً حامية الوطيس لأجل لقمة العيش. والكتابة بالنسبة لي هذه المساحة اللامتناهية التي أقول فيها أنا موجود. الآن الساحة تعج بالكتب والكُتّاب، وحتى الآن أنا أنمو بيني وبين نفسي، وبالتأكيد عندما أجد نفسي مقتنعاً بخطوة إصدار جديد لن أتأخر شريطة أن يكون مثل إعصار. فبهذه الطريقة سوف أكافئ نفسي وأكافئ كل الذين آمنوا بقلمي.
ثقافة حسية تصويرية
لنعد إلى النثر، ثمة لغة سردية في نثرك تشي بولادة روائي. حتى أن أحد النقاد (الكيلاني) -وأنا أوافقه- كتب “عمرو أبو زيد.. الروائي القادم”؟
- جربت عدة مرات طرق باب الرواية وكان لي العديد من النصوص التي تثبت ذلك. ولكن أنا أقول عن نفسي كاتب اللحظة والومضة والصورة المتسارعة، ثقافتي حسية تصويرية أكثر من أي شيء آخر. وبكل أمانة لن أُقرر كتابة رواية لمجرد الخوض في منطقة الروايات فقط. ولكن لو حدث ذلك أتمنى أن يكون مختلف كلياً عن النمط المتعارف عليه في السرد والأحداث والشخوص. ولن تكون عادية لأنني سأستخدم في الأحداث نفس طريقتي التي تعودت في التصوير وابتكار الجُمل والمواقف والأحداث.. لربما نجحت وحتى ذلك الوقت لن أستعجل النضج حتى يأتي في وقته.
يثر نثرك الإعجاب والجدل، ويحقق تفاعلاً جيداً. أيكون السبب أنه يلامس آلام وآمال الآخرين، فيشعر القارئ أنك ناطق رسمي باسم مشاعره؟
- قمة السعادة أن تشعر بأنك السبب.. سبب في أن يبتسم أحد ما، أو أن تكون طوقاً للنجاة لدى أحد التعساء. وأنا لن أنكر أن أصدقائي على “الفيسبوك” هم حافز مهم جداً وربما هم أكثر من يدعمني. فبمنأى عن الإعجاب والقبول والجدل والرفض؛ أتلقى العديد من الرسائل من أصدقائي ليقولوا لي استمر، أنت تتحدث نيابة عنا، أنت تمنحنا الأمل والقوة، وتُوّسع نظرتنا للأمور بالطريقة التي تتناول بها المواضيع. ولذلك يكذب مَن يقول أنه لا يهتم لأمر القراء والأصدقاء والإعجاب والتشجيع.
أنا أهتم وأحاول تطوير لغتي وتجديدها دائماً حتى أبقى دائماً على مقربة من القلوب.
تجربة إعلامية
لا يعقل أن نحاورك دون سؤالك عن عملك الإعلامي في “الفضائيات” كيف تقيّمه؟ وما الذي كنت تتمناه أو تطمح إليه في المجال الإعلامي؟
- كانت من أجمل و أغرب المراحل بحياتي لأنها كانت صدفة، وعن طريق “الفيسبوك” إذ التقطتني عيون مدير محطة mbc في الوطن العربي، وفي هذا الوقت بالذات كنت بحاجة لدليل ملموس حتى يطمئن قلبي أنني على قيد الحياة، وبأن الكتابة هي طريق مضيء وليست هباءً.
وبالفعل التقينا وعملت لمدة سنة ونصف كمحرر دراما بقناة mbc وكانت من أسعد وأمتع فترات حياتي
ما هو جديدك الآن؟ ماذا تفعل على صعيد الأدب، وصعيد العمل؟ أين أنت؟
- جديدي أنني أعيش للعمل فقط لا غير. العمل والراحة من أجل مواصلة العمل. وحياتي تكاد تكون شبه روتينية. وأحاول من خلف جدار الواقع الاسمنتي النزول إلى الحياة، بمفهومها اليسير بعيداً عن الجمود، محاولاً اكتشاف السعادة وراحة البال والاستقرار. حتى أن فكرة الألم والتشتت مقترنة بالكتابة، وبأن المعذبين أكثر مهارة وقدرة على الكتابة!
من ناحية اخرى أحاول إعادة إعمار قلبي وروحي بالكتابة. فبالرغم من كل هذا التخبط إلأّ أن الكتابة بالنسبة لي حبة الكرز في وسط الجحيم، وقطرة العسل التي تمحو مرارة الأيام. فأنا أخلع كل تعبي واضعه جانباً وأنغمس في الكتابة، لأنها هيئتي الأفضل ووجهتي وقتما تضيق كل السبل.