ينتظرون قدوم العيد ليحظون بها دون سواها .. الألعاب الشعبية تاريخ مباهج مشترك بين الآباء والأبناء ..

روعـة يـونـس .. || Midline-news || – الوسط …
مع قدوم العيد يغيّر الباعة الجوالون نشاطهم، ويتحولون -لعدة أيام- إلى مجال “الألعاب الشعبية” فينصبون في ساحات الأحياء ألعابهم الآلية الحديدية، كالمراجيح والنواعير والدراجات الهوائية، ويجلبون الأحصنة ليمتطيها الصغار في جولات ضمن الأحياء. عدا عن استجلاب ألعاب يدوية بسيطة مثل “اليويو” و”البرامة” “والدحاليل” والقفز بالحبل، والكرات (قدم وسلة ويد) ومضارب كرة الريشة. كلها تؤجر لمدة زمنية للأطفال والمراهقين، ليشعروا بالمتعة والفرح مقابل مبلغ زهيد يدفعونه من عيدياتهم. خاصة بعد غياب هذه الألعاب عن الساحات بفعل الحرب التي حرمت أطفالنا الكثير من الحقوق والمباهج.
آباء وأبناء ..
يبدو جلياً أن تلك الألعاب تقف في مواجهة الألعاب الالكترونية المتطورة التي نجدها في صالات المراكز التجارية ومدن الملاهي. ولعل إقبال الأطفال عليها يأتي مشفوعاً بموافقة الأهالي المدفوعين بنوستالجيا تعزز الشوق والحنين إلى ماضيهم الحافل بمثل تلك الألعاب الحديدية أو اليدوية. والملاحظ أن تلك الألعاب تستهوي الكثير من الأطفال وتستقطبهم إليها في كل موسم عيد؛ أيضاً بدافع الحنين إلى تراث الآباء والأجداد. إذ يؤكد أبو تيسير- أحد أصحاب المراجيح، هذه الملاحظة بقوله “يروي الأهالي عادة لأبنائهم بعض ذكرياتهم في العيد، وكيف كانوا يقضون أيامه في اللعب على المراجيح وسلالم التزلق وركوب الخيل، فتبث فيهم الحماسة ويقتدون بهم، ويصرون على مرافقة الأهالي لرؤيتهم كيف يمارسون اللعب كما كانوا يفعلون حين كانوا في مثل سنهم”.
وبينما يؤكد محمد جادو- مشرف على أمن الأطفال، رأي زميله، يضيف نوع حنين آخر يدفع بالأطفال إلى ساحة الألعاب، يقول “باستثناء رغبة الطفل في ممارسة ألعاب ذويه، نجد حنيناً آخر يتشكّل لديه، ففرصة استخدام هذه الألعاب نادرة وتتوفر فقط في مواسم الأعياد، وهذا ما يجعل الأطفال يقبلون عليها كونهم يشتاقون إليها وينتظرونها من عيد إلى عيد، لهذا يهجرون في أيام العيد محال الألعاب الالكترونية الموجودة في الحي أو المراكز التجارية لأنها متاحة لهم طوال العام”.
صراع الألعاب! ..
تختلف الألعاب الحديدية الشعبية عن أجهزة الألعاب الإلكترونية العصرية، سواء من حيث الهيكلية وطرق الاستخدام وتكلفة الجهاز وثمن بطاقة اللعب. أو من حيث عدد اللاعبين. فضلاً عن النوعية! فما تتم ممارسته من ألعاب في الأحياء المعفّرة بالأتربة والحفر، تحت أشعة الشمس ووسط صخب السيارات والمارة، تختلف عن أجواء صالات الأجهزة الالكترونية التي يجلس إليها اللاعب فوق بلاط مرمري وتحت نسائم المكيف.
تشير إلى تلك الفوارق الوالدة سمر عقيد- معلّمة تربية رياضية “ألعاب النشء في المراكز التجارية تنشط المخيلة والذهن وتنشط الذاكرة الرقمية لديهم. على عكس الألعاب الآلية الشعبية، التي تنشط الجسد وتعمل على تنمية العضلات لأنها غالباً تنمي القدرة البدنية لا الذهنية. كما أن معظم الألعاب الشعبية تتطلب عدة أشخاص لممارستها، فتعزز روح الجماعة والمنافسة، على عكس الألعاب الإلكترونية التي يجلس المشترك وحيداً إلى كرسيه ليلعب ويحسب فوزه أو خسارته بنفسه”.
من جهته يوجز رأيه الوالد مصطفى فلاح- مصمم أزياء أطفال “الصراع بين ألعابنا الشعبية والألعاب الالكترونية، أشبه بكل أنواع الصراعات بين ما هو قديم وجديد دون تمييز. هم الآن يطلبون الحضور إلى الساحات، وبعد انقضاء العيد يطلبون اصطحابهم إلى صالات الألعاب الالكترونية”. يضيف باسماً ملاحظة أخرى “يكفي أنه لا تباع في الساحات مفرقعات نارية ولا يُسمح أصلاً باستخدامها”.
رغبات مختلفة ..
تتباين اختيارات الأطفال ورغباتهم خلال اختيار الألعاب. ويلاحظ أن من هم دون العاشرة يميلون إلى الألعاب الحديدية، بينما الأكبر سناً يميلون إلى ركوب الدراجات الهوائية، فيما يرغب من هم فوق سن 15 عاماً في ركوب الدراجات النارية.
تقول في ذلك يمنى دبوس- 8 سنوات “أنا وأخي ياسر نحب المراجيح والتزحلق والنواعير، فهي تناسب أعمارنا ولا تتطلب منا بذل أي جهد. ونعتمد على صاحب الألعاب لأنه هو من يُشغلها ويديرها. وكذلك على المشرف فوحده المسؤول عن أماننا وعدم وقوعنا”.
أما ناجي شرف -13 سنة، يحدد ألعابه المفضلة، فيقول “بتنا نفتقد النوادي الرياضية في منطقتنا، لذلك أحب ركوب الخيل أو كيس الملاكمة، لأنهما يتطلبان الانتباه، ويساعدان في التنمية البدنية وبناء العضلات لمن هم في سني. وإيجارهما في متناول عيديتي التي تصل إلى 2000 ليرة سورية”.
بينما تبدي رهف براكي- 11 سنة، رغبتها في القفز بالحبل لأن تلك اللعبة تتيح لها اللعب مع صديقتيها، رغم أنها تحب استئجار الدراجة الهوائية، لكنها تأسف لأنهما لا تجيدان ركوب الدراجة، ولا ترغب بركوب الدراجة بمفردها، ولا إنفاق 400 ليرة كل نصف ساعة لركوب الدراجة”.
اعتراضات ودعوات! ..
مقابل تلك المسرّات والمباهج التي يحياها الأطفال في العيد. ثمة اعتراض ناتج عن إزعاج يعاني منه القاطنون في أبنية ساحات المدينة؛ وبعض الأهالي. ويخشون معه أن يتحول العيد إلى مأساة. فثمة ألعاب خطرة. وأخرى تؤدي لإثارة مشاجرات وشغب بين اللاعبين أنفسهم، المتروكين دونما رقابة وتدخل وضبط لسير الأمور.
لا تخفي أميرة شلش- صيدلانية، اعتراضها على تحوّل ساحة الحي إلى حلبة سباق، تقول “لست ضد أن يفرح الأطفال ويبتهجون بالعيد والألعاب. لكن ثمة ما يُفترض منعه كلياً! فالدراجات النارية يستأجرها صغار السن ويتسابقون في محيط هذا الحي وسواه برعونة وطيش، لذلك أدعو شرطة المرور إلى مراقبة ومتابعة ساحات الألعاب حرصاً على سلامة الجميع”.
بصوت مرتفع، ولغة أشد اعتراضاً يقول أبو عبيد- رجل مسن “لا أصدق متى تنتهي أيام العيد، لينقضي القلق والخوف على هؤلاء الأطفال ومنهم. اعترضت كثيراً أنا وبعض الجيران على نصب بعض الألعاب قبالة بيوتنا، فهي تسبب الازدحام عدا عن ضجيج المراجيح ومخلفات الأحصنة. فقيل لنا “احمدوا ربكم أن المفرقعات محظورة”! برأيي يجب على من أعطاهم الرخصة (!) ضبط وتنظيم الساحات كي يفرح الصغار ولا يتضرر الجيران”.
إضاءات ..
* لا تسمح البلديات بنصب المراجيح في ساحات الأحياء سوى في اسبوع العيد.
*لا توجد بطاقات أو “فيش” بل تدفع قيمة المشاركة في اللعبة مباشرة للبائع.
*تتراوح أسعار المشاركة في الألعاب من 50 إلى 1000 ليرة سورية.
*يعتبر ركوب الدراجة النارية الأعلى أجراً. جولة 30 دقيقة تكلّف 1000 ليرة.
*لا يسمح للأطفال بالاشتراك في اللعبة الواحدة أكثر من نصف ساعة متواصلة.
*معظم الألعاب ملك لأصحاب منتزهات قديمة، تؤجر للباعة الجوالين أو متكسبين.
*لكل لعبة بائع مسؤول عن آلية سيرها، ومعاون يشرف على أمن الأطفال.