إضاءاتالعناوين الرئيسية

هبوط اضطراري؟ .. مراد داغوم

|| Midline-news || – الوسط
.

تحدثت في المقالات الماضية عن شخصيات موسيقية عربية ساهمت في إنتاج أغنية عربية راقية، هي أغنيات ما زال العديد منها حياً حتى اليوم، ولم أنتهِ بعدُ من استعراض هؤلاء العباقرة، فما زال في جعبتي الكثير من الأسماء التي كان أصحابها من أهم صُنّاع الأغنية العربية عبر العقود الماضية.

 

في وقت مستقطع، وكتوضيح ضروري أقول أن هذا الاستعراض لا يهدف فقط إلى مجرد التعريف بهذه الشخصيات الهامة، بل يتعدّاه إلى هدف لا يقل عن الأوِّل أهمية وهو أن مقاربة موضوع الأغنية العربية المعاصرةلن تكتمل بدون استكمال ما يمكن تسميته قاعدة بياناتتتضمن المعارِفَ الضرورية عن هذه الأغنية بشكل عام، وأعلامُ هذه الأغنية زمنياً هم من أركان هذه القاعدة، إضافة إلى بقية أركانها التي قد لا يخطر بعضها ببال الكثيرين، أو يتم تجاهلها في تقليل من أهمية دورها.

 

إذا أردنا أن نعدد بعض هذه الأركان نجد بالإضافة إلى الأعلام الكبار هناك الكثير من المواضيع المتعلقة:

 

1- التقوقع: وهو ظاهرة منتشرة لدى من يفترض أنهم نواة الإبداع في أيامنا والتي اصطلحت على تسميتهم: (طرابيش الموسيقا) في تشبيه لتمسك العرب بالطربوش العثماني أيام خلعه بعض العرب في بداية القرن المنصرم. هؤلاء قفلوا الإبداع بخاتم السابقين وحصروه بالسالفين، معادين لأي شكل من التجديد، مقللين من قدر أي شخصية فنية معاصرة. ولهؤلاء أتباع يلهثون خلفهم عبر محطات التواصل الاجتماعي يقدمون التبريكات والموافقة العمياء على أي رأي يقدمه أحد الطرابيش. هؤلاء الطرابيش ما زالوا حتى اليوم متمسكين بـ(قواعد صناعة الأغنية) التي سنَّها الطرابيش الأوَّلون منذ بداية العقد الثاني من القرن العشرين. ويتمادون أكثر عندما يحصرون استعمال النغم بل ومعرفته بتلك القواعد، بما ينفي عن أي مبدع معاصر أي صفة موسيقية إن لم نقل تسفيه شخصه قبل فنِّه.

 

2- السلفية الموسيقية: وهي نتيجة حتمية للركن السابق، حيث يُطلق وصف (الجميل) على زمن عادي تَضَمَّن مع جواهر صناديقه نفايات موسيقية كما في يومنا، يتم التغاضي عن تلك النفايات وتسليط الضوء على جواهره في تسفيه واضح للإنتاج الفني المعاصر. يتجاهل أصحاب هذا التيار أن من يعتبرونهم اليوم مسطرة قياسكانوا في عصرهم أصحابَ بدعة مستهجنة، تنشز عن قواعد أسلافهم. وبسبب لمعان بعض أسماء الطرابيش المعاصرين، ولأن الكثير من الموسيقيين اللاحقين يكنّون لهم احتراماً وتقديراً كنوع من تقدير الكبير، أعتقد الجمهور برجاحة رأيهم، وقلَّدهم في تكرار أحكامهم من قبيل: (نعم، الفن في زماننا هابط) أو (سقى الله أيام الفن الجميلة التي وَلَّت)!

 

3- العجز الإبداعي: يتبوأ أولئك الناقدين السلفيين صدارة الهجوم، ولكنهم يرتعبون من مجرد فكرة تقديم البديل! فطالما أن طربوشنا العزيز يمتلك تلك المعرفة الثَرَّة بمقومات الجمال الفني والعلم الموسيقي، لماذا يكتفي بالنقد السلبي فقط؟ لماذا لا يقدم لهذا الجمهور ما يستحقه من أغنيات كاملة المواصفات الجمالية بحسب تقديره لتكون هي الحد الفاصل بين الغَثِّ والسمين من الغناء المعاصر؟

 

4- النقد للنقد: لو كان نقدهم للأغنية المعاصرة يهدف لاسترجاع عصر لمعان الأغنية العربية كما يُشيعون لأثمر هذا النقد ثماراً عملية واضحة، في حين أنه لا يُمر غير الأحكام النقدية الصرفة. فذلك النقد يفتقر إلى عنصر هام وهو اكتشاف الجمال، لكن هذا الاكتشاف يتطلب معرفة واسعة بأبواب الجمال الفني المتعددة والتي يحصرونها في قالب مُسبق الإجهاد، كما يتطلب البحث عن الجديد الجميل ودعمه عملياً وليس نشر المزاعم عن وفاة الجمال في يومنا.

 

الأركان كثيرة، سأترك بقيتها مع تفاصيلها للقادم من الدراسات في أوقاتها المناسبة، عسى أن نكتشف معاً الروائع الكامنة في الأغنية العربية المعاصرة، وأن نعرف أن ذلك الهبوطالمزعوم هو افتراضي عندما يتم حصر زمانه في أيامنا.

.

*(مراد داغوم  مؤلف وموزع وناقد موسيقي سوريا)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى