هاتولنا النوويّ .. غسان أديب المعلم ..

هاتولنا النوويّ ..
“وصفينا على الحديدة”، هو حال معظم المواطنين السوريّين اليوم، بيد أن الحديدة ذاتها والتي لاتمثّل سوى التعبير الرمزيّ عن الإفلاس الماديّ هي تحت الاستهداف أيضاً من قبل الداخل أو الخارج على حدٍّ سواء!.
فيوماً بعد يوم تتبلور الأهداف المرسومة، وتصبح واضحةً وجليّة مع سيلان لُعاب الألسن الطامعة بثروات البلاد قديمةً كانت أم باقية وجديدة، وعليه فيبدو حتى بساط الأمل الذي يجلس عليه السوريّ متصابراً سيتمّ سحبه ليبقى على أديم الأرض عارياً في العراء!.
فالحكومة كانت تُعلّق فشلها الدائم المُستدام على شمَّاعة غياب الموارد والثروات من الأراضي التي تحتلّها أمريكا ومن لفّ لفيفها إضافةً إى الحصار الأمريكيّ.
واليوم .. أصبح الزيت على الزيتون مع القرار الأمريكي الجديد الذي رفع بموجبه العقوبات عن الأراضي السوريّة الواقعة تحت سيطرته وحلفائه، مع دعوة للاستثمار التجاريّ والزراعيّ ضمن هذه الأراضي بما فيها البادية، والتي طالما تحدّثت عنها فئة كبيرة من السوريّين بضرورة استثمارها وتوزيعها على المواطنين لدعم الناتج الزراعي، لكن للأسف لم تحصل كلّ هذه الدعوات سوى على التجاهل المُعتاد، وكالعادة، الشعب السوريّ هو أكبر الخاسرين، وبالتأكيد لم ولن تقتصر خسارته على نتائج القرار الأخير، فهذا الشعب أضحى مثل كيس الملاكمة بالضبط، يتلقّى الضربات واللكمات واحدة تلو الأخرى، بل وفي ذات الوقت أحياناً.
فالقرار الأمريكيّ الجديد صدر بذات اليوم الذي اعتدت به تركيا وإسرائيل على الشعب السوريّ وخلَّف ذلك عشرات الشهداء والجرحى!، ووصلت صرخات السوريّين حدود السماء من القهر، لتردّ الأجواء في اليوم التالي بموجة عواصف غباريّة استثنائية أصابت شرق البلاد وأدّت لوفاة بعض المواطنين وأضرار مادّية بالغة في المنشآت والأراضي الزراعيّة!.
هذا الأمر في عُرف السوريّ شمّاعة جديدة لزيادة الأسعار، وأن تضرب وقاحة الحكومة أطنابهافي مسمعه، ويصبح حال المواطن حينها موازياً لشطر الشعر:
على أيّ جانبيك تميل؟ وربّما أكثر!، فمن جهة .. محتلّ يسرق سلّة البلاد الغذائية والنفطيّة ويقرّر بكلّ وقاحة الاستمرار في السرقة أكثر فأكثر، ومن الجهة المقابلة حكومة من الحمقى العاجزين عن ضبط سعر سلعة واحدة، أو حتى قرار يملأ أعين السوريّين!، ومن جهة البحر والشمال قصف من الأعداء، ومن جهة السماء طقسٌ سيء عواصف وكوارث.
أما على الأرض .. فمواطنين مقهورين ممزّقين شرّ تمزيق من الحزن والبلاء والغلاء، وكثرة الأعداء، وحكومة بلهاء، مواطنين على قيد الحياة فقط وبالعافية!.
تموت الأجزاء ببطءٍ شديد، وبصمتٍ مطبقٍ أشبه ببركانٍ خامد يحصر الحمم، فالصرخة أو الدعوة من أحدهم بمثابة إتهام بالخيانة والعمالة للأعداء.
المُضحك المُبكي في دعوات السوريّين فيما بينهم وأثناء حوارتهم حول الحروب والأوضاع في العالم، والتي تحمل في تفاصيلها احتمالات اندلاع حربِ عالميّة ثالثة لاتبقِ ولا تذر أحداً لأن السلاح النوويّ سيكون حاضراً فيها، أن يُبادر السوريّون بالدعاء: اللهمّ بارود، اللهمّ زيت ونار، اللهمّ نوويّ يبيد العالم بأكمله.
أفلا تتّعظ السلطات وتعتبر أمام هذه القلوب الخامدة؟، أمّ أنها تعتبر بأنّ الخوف الذي زرعته فيها سيكون ضامناً ليجعل من السوريّ الذي بقي على الحديدة بأن يُمسك الحديدة ويضرب بها على رأسه؟.
اعتبروا، لربّما انتهت الحروب دون استخدام النوويّ، ويشتعل فتيل براميل البارود الذي فيه تعبثون بها .. ألا هل بلّغت..
*كاتب وروائي من سوريا – دمشق