إضاءات

نـاجـي الـعـلـي .. الـمـثـقـف الـشـهـيـد … أحـمـد عـلـي هـلال …

|| Midline-news || – الوسط …

خاص – الوسط 

لم يمت ناجي ولكن شبّه لهم .. ناجي العلي كأسطورة تُروى، كحكاية من ألف حكاية، كان الحلم والحقيقة، الواقع وما بعد الواقع .. الحقيقة الكاملة في زمن أطلق عليها رصاص الشكّ والارتياب والخوف ..

وكان له أن يمتد عبر أزمنته رساماً كاريكاتورياً ساخراً، لكنه المقاوم للقبح بكل تجلياته السياسية والاجتماعية، كانت ريشته التي غمسها في محبرة الألم تسخر على طريقته (رسماً وتعليقا)، من كل ما يحيط بالإنسان من إكراهات لا حدَّ لها، لا سيما حينما تكون قضية وطن، ظل ناجي العلي هو الرائي لكل ما يحيط الوطن من مخاطر، فنقل هموم الناس البسطاء ليعبر بها إلى غير أفق وإلى غير زمن، ليشتق منها أفعال المقاومة، وهكذا خلَّف وراءه أربعين لوحة ونيف، هي مشهديات الأمل والألم، مشهديات الهجاء الطليق للتهافت والخيانة وفساد المدافعين توهماً عن الوطن، فكيف يعبر إلينا ناجي ليرسم لحظتنا -هذه-  وكيف له أيضاً أن يستقرئ كل المخاطر، وهو من استقرئها طيلة حياته، فكان قوة المثال على مقاوم لا يتكرر في زمانه ومكانه، وفي موقفه ورؤيته اللذان دفع ثمنهما حياته.

كل قراءة للوحة ما بعينها، تحيلنا إلى ذات الحكاية الفلسطينية في انعطافاتها ومساربها، وما رموزه/ أيقونات الخالدة سوى مجاز هذه القضية، بشخوصها وحيوات ناسها، ففاطمة تتعدد في مرايا لحظتنا، كما حنظلة طفل الخريطة الذي كبر على اتساع الجرح، وصار مقاوماً، لحظة استدارته مكحلاً عيونه بفلسطين والشهداء والبسطاء والمقاومين، وانفرجت يداه طليقتان بما يكفي أن يكتب حروف النشيد الوطني، ويربت على العلم الوطني، ويذهب للشهداء ليلاً، ليكون قمراً يضيء أمكنته وشواهد قبورهم، أولئك الأحياء الأحياء، الذين مشى إليهم حنظلة حافياً.

وحنظلة الآن هو من يتبع كل ظلالهم ويرمي الحجارة مع أطفال فلسطين، ويشعل الإطارات، ويقذف «البالونات المشتعلة» مطيّراً إياها في سموات الوطن، ونراه الآن يسعف جرحى المواجهات مخضباً كفيه بدمهم، ودمهم هو عطر الأرض الذي لا يزول.

ورأيناه في حقل الزنابق، وفي حقول السنابل، وفي حقول الورد الذي ظلل قبور الشهداء، بقدمين حافيتين ويد تجمع الرصاص وأرغفة البسطاء، ويهرع صوب مدارس التلاميذ، مردداً معهم النشيد الوطني… هناك هناك وراء الطوابير وأمامهم مستديراً إلى علم هو خفق البلاد الأسيرة. هو رايتها التي لا تنكفئ لأنها المعمدة أبداً بعطر الشهداء وصلابة الأسرى.

ناجي العلي الملهم والملتزم والمتماهي مع قضيته ومثالها الأكبر، صورة تحولاتها وذرواتها، ناجي الجسور الذي رأى وجوه قاتليه ليقض مضاجعهم، إذ لم يعد مهماً من قتل ناجي العلي، ولم يعد مهماً ذلك السؤال المتواتر لماذا قتلوا ناجي العلي؟!.

هاهم في لوحاته/ رسوماته- بكل قبحهم .. طليقون في مراياه الواضحة، وخائبون في توسلهم قتل روحه، وظلت روحه تطاردهم أينما ذهبوا، ولاسمه كم ارتعدت فرائصهم فطاردتهم لعنته إلى الأبد، وظل ناجي العلي كنجمة الصبح الجميل، يعيد حكاية قضيته في صباحات المقاومين وفي مساءاتهم وفي عشياتهم، ينثرها على دروبهم الصعبة، الشائكة، دروب الجلجلة، وفاطمة هي الآن أم الشهيد وابنة الشهيد وأخت الشهيد، فكم رأيناها تحمل حجارة الضوء لتصفع بها أولئك الغزاة، والفاسدين والمفرطين والمساومين، واللائذين بحبر التواقيع المذلة.. فنان التعرية والانكشاف ..

لم يمت ناجي ولكن شبه لهم، ومن غيبوبته الواعية ظل ممسكاً بريشته وبفحم قلمه الأسود، لا ليكتب وصيته بل وصاياه لوطن مازال في عين العاصفة، مازال أكبر من أي فكرة وبحجم الشهيد هو ..

ستقوم أيها المضرج بالأغنيات، وستنهض أيها الباقي وشماً في الأرواح وهوية للآتين من جهة المقاومة ..

ولحنظلة .. يا طفل الخريطة صرت الآن جيلاً من المقاومين ..

هكذا أغمض عيني مرتاحاً لأغفو في أرض الينابيع ..

*كاتب وناقد – دمشق 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى