نحن و المونديال … أحمد علي هلال

نحن و المونديال  …  أحمد علي هلال

سيبدو مونديال كأس العالم في قطر بنسخته الجديدة حدَّ الدهشة الباذخة كاستعارة مفتوحة على تأويلات كثيرة، لطالما أن الرياضة بذاتها ستكون أم الاستعارات، ألم يقل _في هذا السياق _الشاعر الراحل محمود درويش: إن الرياضة أشرف الحروب.
وإذا كان للشعر من قول هنا فكيف إذن للنقد أن يذهب في إثر الرياضة بوصفها تلك «الثقافة الجماهيرية» السائدة، فرولاند بارت أحد أهم أساطين النقد الأدبي في فرنسا قد خص كتاباً يمتدح فيه الرياضة، فبارت الشغوف بالرياضة والذاهب في إثر ثقافتها في كتابه «مثيولوجيات»، رأى فيها واحدة من الأساطير الحية، فكيف يمكن إذن قراءة هذا المونديال في لحظة إنسانية حرجة، تتعاضد فيها الحروب والأوبئة والفقر والشقاء.

اللافت بالأمر هنا أن يأخذ المونديال تعبيرات أدبية ومن الأجناس الإبداعية، مرة سيوصف بالملحمة الكروية وليأخذ من الحرب تعبيرات مثل التكتيك والهجوم والاستباق وتسجيل الأهداف، ومن الثقافة ستأخذ تعبيرات الحوار والمثاقفة… وهكذا ستكون لها تعبيرات لصيقة مثل المشهدية وغيرها، ولكن هل لهذه الاستعارة جدوى حينما يأخذنا المعلقون الرياضيون بأصواتهم ذات الجرس الموسيقي المتميز وبانفعالاتهم -الدرامية- إلى ما تتوق إليه الحواس في اصطياد لحظة فرح ستبدو بالمفهوم الفرويدي تعويضاً فحسب.
إذا عدنا لبارت في تأمل هذه الثقافة الجماهيرية بمركباتها ومضمراتها الأكثر نزوعاً إلى البحث عن البطل المخلص ولو كان رياضياً، بمفارقة أثيرة هنا أنه يمكن لك أن تشجع غير فريقك حباً باللعب النظيف والعالي التقنية، وهكذا سيستقيم الأمر مع الفريق العربي الفائز على خصم غريب رغبة بانتصار ما يقصي آثام الحروب والأوبئة، ومشكلات العرب الحديثة، مشكلات الإنسان والقهر الاجتماعي وسوى ذلك من متعاليات ستبدو قدراً ما، فالرياضة بوصفها مرايا متقابلة ستعني لدى جمهورها الأكثر شغفاً بها منظومة من الرمزيات العالية يمكن قراءتها سيميائياً وأبعد من مسألة فرجة بعينها، كما يمكن في الوقت ذاته تأويلها إلى حروب لا تسيل بها الدماء على الأرض واستعارة الأهداف هي استعارة أدوات الحروب، والفرح بالفوز ربح معركة نظيفة سيبتسم لها كثيرون، ويحزن غيرهم فكيف لنا إذن أن نزور عن الرياضة ازوراراً، فهي العابرة للثقافات كلها.