إضاءاتالعناوين الرئيسية
مشايخ الموسيقا .. مراد داغوم

…صحيفة الوسط – midline-news
.
دُعي الشيخ زكريا أحمد عام 1920؛ لإحياء شهر رمضان عند أحد تجار السنبلاوين اسمه “علي أبو العينين”، تعرف عليه عن طريق الشيخ “أبو العلا محمد” الموسيقي المعروف و”محمد عمر” عازف القانون، واتفق التاجر معه أن يغني عنده بعد تلاوة القرآن.
ذهب الشيخ “زكريا أحمد” إلى السنبلاوين وأقام سهراته الطربية المعتادة. وفي إحدى لياليه الرمضانية أخبروه أنهم اكتشفوا في بلدة مجاورة صوتاً جميلاً جد،اً وقدموا له فتاة صغيرة تلبس العقال العربي وتتعثر في خطواتها الخجولة، ومعها شاب يرتدي الجبة والقفطان والعمامة هو أخوها “الشيخ خالد”، يتقدمها في المشي ويقود حركاتها.
حادثها الشيخ “زكريا” فراعه ذكاؤها الخارق بالنسبة لسنها التي لم تكن تتعدى الخامسة عشرة، واكتشف خفة دمها وروحها المتميزة بسذاجة الفطرة الريفية. ثم طلب منها أن تغني، فغنت وأبدعت. ومنذ تلك اللحظة، أصبح الشيخ “زكريا” مفتوناً بها، يحبها حب الفنان للحن خالد تمنى العثور عليه دهراً طويلاً. طلب منها أن تزوره طيلة رمضان، فاستجابت لشغفها بالاستماع إلى للقصائد والأغاني التي يغنيها كل ليلة محاولة أن تحفظها.
كانت أيام شباب الشيخ “زكريا أحمد” فقد كان يومها في الرابعة والعشرين، أنيقاً شديد العناية بملابسه وهندامه، حتى أن أخاها الشيخ خالد لمح في حقيبة الشيخ “زكريا” عدداً من الأحذية فاستغرب ونشر تساؤلاته بين أهل القرية: (هو فيه مطرب يسافر ويشيل معاه ست جزم)؟
وهكذا، توثقت العلاقة والصداقة بين الشيخ “زكريا” وبين (أم كلثوم) وأخيها الشيخ خالد، فدعوه لزيارتهم في منزلهم في “طماي الزهيرة”، وهناك تعرف بوالدها الشيخ ابراهيم، وكان رجلاً في غاية التقوى والورع، فقضى معهم أوقاتاً طيبة استعاد فيها نزوات الصبا ومرح الطفولة، إذ كان يمص القصب مع “أم كلثوم” ويلاعبها الورق على “الطبلية” لإرضائها، فقد كانت “أم كلثوم” وقتها فتاة طليقة غير مقيدة بالمسؤولية ولا تحب سوى الموسيقا والمرح.
وانتهى رمضان، فعاد إلى القاهرة وبقيت ه في قريتها، بعودته غمرته الحياة الصاخبة التي تغمر كل شيء حتى الذكريات السعيدة، ولكن “أم كلثوم” ظلت تراسله بخطابات تحمل عبارات ساذجة ومكتوبة بحبر أخضر يذكِّره بالخضرة والصوت الحسن، وكانت خطاباتها تدفعه للدعاية لها في القاهرة.
وفي نهاية سنة 1920، زاره أحد أصدقائه من التجار وطلب منه إحياء حفل فرح له، فكتب لها، وكان أول خطاب يكتبه هو لها، وجاءه الرد منها بالقبول بعبارة مؤدبة، وكانت أجرة الحفل ثمانية جنيهات رفعها الشيخ زكريا في نهاية الحفل إلى عشرة جنيهات. وكان قد دعى في تلك السهرة الشيخين “علي محمود” و”أحمد ندّا” فأعجبا بها بعد أن سمعاها وآمنا بصوتها، وكانت بداية معرفة مجتمع الفن في القاهرة بصوت “أم كلثوم”.
وأخذت “أم كلثوم” تصعد درجات المجد مستندة إلى ذراع أستاذها الأول الشيخ “أبو العلا محمد”، وغنت بعد ذلك أول أغنية لحنها لها الشيخ “زكريا أحمد” وكانت: (اللي حَبِّك يا هناه).
*(مراد داغوم – مؤلف وموزع وناقد موسيقي – سوريا)
.
أغنية اللي حَبِّك يا هناه – كلمات أحمد رامي وألحان زكريا أحمد