لوحاتها لا تُقبل في معرض فردي! عبير أحمد: المؤسسات الثقافية مرهونة بالطابع الديني التحريمي لبعض اللوحات..
لغة الجسد العاري أجمل اللغات وأرقاها في الفن

|| Midline-news || – الوسط …
روعـة يـونـس
.
جميلة كما لوحة .. جريئة صادقة واضحة في فنها .. عاشقة له شغوفة به. والأهم مصرة عليه رغم أن نمطها يميل إلى “الايروتيك” الذي ترفضه المجتمعات العربية عموماً، فتعتّم عليه المؤسسات الثقافية الرسمية.
عبير أحمد .. الفنانة التشكيلية المبدعة، التي تشارك في معارض مشتركة ومعارض تكريمية بلوحات لا تشخّص العري الكامل، ستظل مواظبة على نهجها في الفن التشكيلي، ترسم الأجساد العارية لتحمّلها أفكاراً ورؤى، متطلعة إلى زمن قريب تستحق فيه سورية الحضارة أن تخرج من المدّ الصحراوي المتخلف، المتذرع مرة بالدين ومرة بالأخلاق. كي تعبّر عن مكنونات الداخل الإنساني من خلال الجسد العاري.
رائدة طليعية ..
بودي الوقوف في مطلع الحوار على بدايات أكثر فنانة تشكيلية، لوحاتها مثيرة للانتباه والجدل؟ خاصة أنني عرفت أنكِ كنتِ نجمة منظمة “الطلائع” في الرسم؟
- صحيح، بدأت الرسم في الطفولة الباكرة عندما كنت طليعية صغيرة، و دخلت مسابقات رواد الطلائع، لأكون الرائدة الطليعية على مستوى القطر لثلاث سنوات في الرسم والخط العربي. كانت طفولة مميزة كلها معسكرات وبعثات خارجية وفنون رسم وخط. مما أثرت على خياري المسقبلي.
أليس غريباً لرائدة طليعية في الرسم، أن لا تدرس فنون التشكيل أكاديمياً وتنتسب لكلية الفنون الجميلة ؟
- حدث أن تابعت الرسم، وكان خالي الفنان صلاح عقول مدرباً لي، وكان حينها معيداً بكلية الفنون الجميلة، وكذلك تلقيت بعض الدروس من الفنان الكبير محمد وهيبي. وبعد مرحلة “الشبيبة” والثانوية، قدمت لكلية الفنون الجميلة وتم قبولي. إلا أن أمي أصرت أن أدرس فرع جامعة علمي، فتركت كلية الفنون للالتحاق بكلية الاقتصاد. لكن ظل شغفي بالتشكيل داخلي ولم أستطع الاستغناء عنه، فلاحقت حلمي وتابعت الدراسة في مركز “أدهم اسماعيل”.
مسحة ايروتيكية ..
لكن، وبينما سجل كثر من الفنانين حضورهم في الحركة التشكيلية خلال الحرب. لم نجدك، لم كنتِ غائبة؟
- أمضيت معظم سنوات الحرب تقريباً عاجزة! لم أستطع أن أمسك قلم أو طبشورة! كان ألم الوطن موجعاً جداً. وعاودت المحاولة مجدداً منذ ثلاث سنوات في إحدى الهدنات التي حظيت بها دمشق. في محاولة أن أجد لوحة خاصة بي تمثلني وتكون صادقة وتعبر عن أحلامي برؤية نساء يتمتعن بالحرية والاستقلالية، ينتجن الحضارة والحب بدلاً من أن يكن مسؤولات عن إنتاج الظلم والحقد.
وكيف انتقلتِ بعجزك أو لنقل حزنك إلى عالم المعارض المشتركة، مع ملاحظة أنكِ لم تقدمي معرضاً فردياً واحداً حتى الآن؟
- رغم مشاركتي بمعارض جماعية كثيرة خلال فترة قصيرة، ومساهمتي في تكريم فنانين كبار في المراكز الثقافية. لكني لم أستطع أن أقيم معرض فردي شخصي بلوحاتي (!) لأن معظمها “عارية” وتحمل مسحة “ايروتيكية” فتوجه الصالات والمراكز الثقافية الحالية –للأسف- مرهون بالطابع الديني التحريمي لتلك اللوحات.
خُلقنا عراة ..
تستوقف المتلقي لوحاتك عن الشخوص العارية للجنسين. وبغض النظر عن كون التشريح البنيوي للجسد والعضلات مادة أكاديمية في كليات الفنون حول العالم. ما معاني العري لدى التشكيلية عبير؟
- العري له تاريخ عريق وقديم قدم البشرية الأولى، منذ أهل الكهف وكل الحضارات الفينيقية والفرعونية مروراً بعصر النهضة ليومنا هذا. هو موضوع قديم جداً. فالعري حلم كل فنان يحاكي الوجدان الإنساني والعاطفي. وبالنسبة لي هو موضوعي الشغوفة به. إنه الأجمل والأرق والأكثر عاطفة والأشد تعبيراً. فالعري في الفن هو (ثياب الله للصالحين) حتى لوكان موضوع الحب والخلق، فهو كالحب بالنسبة للشاعر، أنا أرسم العري دون أن أشعر! أجد يدي تخط الأجساد العارية لشدة تعبير الجسد عن معظم الحالات الإنسانية والعاطفية. فلغة الجسد العاري أجمل اللغات وأرقاها في الفن. وعظماء الفنانين عبّروا عن مشاعرهم ورؤاهم من خلال عري الأجساد. فلقد خُلقنا عراة.
لهذا، الجسد العاري شغفي، رغم أنه يُطلب مني أن أرسم التعبيرية والتجريدية التي في المشهد الخلفي للوحاتي. ألا أنني أحب رسم الأجساد والتعبير عن مكنونات الداخل من خلالها.
يبدو لي أنك تصرين على هذا النمط الفني بهدف إثارة الجدل ولفت الأنظار إلى فنك! فلست أدري ما الذي تتوقعينه من مجتمع محافظ يرى لوحات تشكيلية لعري وأوضاع حميمة (مع ملاحظة أن “الوسط” تنقل رأي الآخر ولا تتبناه)؟
- لا، إثارة الجدل المجاني لا تهمني. ولا يهمني أن يرى المجتمع لوحاتي مقبولة أو خادشة للحياء كما قال البعض. يهمني أن يراها قوية بتكوين جيد وألوان متقنة. يهمني النقد الفني وليس الموضوع الذي أتناوله. فالفن في ظل المجتمعات الإسلامية المتخلفة -للأسف سورية الحضارة مشبعة بالمد الصحراوي الإسلامي- محاصراً من قبل سلطة فقهية منغلقة تعشق الحجب وتعادي كل الأشكال الفنية العارية من نحت ورسم وتصوير.
عموماً.. لا أنتظر القبول أبداً في هذا الوقت الراهن. لكن الفن متعة وشغف، وهو شغف كل الفنانين، لكن بلداننا محرومة إلى حد كبير من الحرية الشخصية ومن حرية التعبير التي قمعت باسم العورة والدين والشهوة. لكني أواصل رسم ما أحب.
معارضة ومصادرة ..
هل وصلتك آراء معارضة أو قاسية من زملائك التشكيليين (بخصوص لوحات العري). وبالطبع زملاء تعني الذكور والإناث ؟
- دائماً هنالك معارضة وهنالك فيض من النصائح الرنانة (هل ترضين أن تكوني موديل وتُرسمي امرأة عارية بهذا الشكل؟ هل تقبلين ابنتك مثلاً أن تكون موديل لأحد الفنانين؟ هل تقبلين الوقوف أمام رجل عار وترسمينه؟ يا لبؤس هذا الجسد الغارق في باحة التحريم! حيث يُنظر إليه كمصدر للغواية الشيطانية ومنبه للشهوة والمتعة، خال من أي حالة إنسانية. لذلك أي محاولة لرسم الجسد أو نحته مهما كانت الرسالة يكون مصيرها المنع أو النصح بتمويهه! وكأنه مدنس رغم قدسية الجسد الكبيرة. وتتم مصادرة روح الفنان وأفكاره بسبب الرادع الديني الأخلاقي كما يزعمون. إلا أن هناك مجموعة كبيرة من الفنانين السوريين الداعمين لرسم الأجساد وحركتها، ويوجد فنانون مهمون كالفنان نشأت الزعبي الذي يشجعني ويحثني على مواصلة الطريق.
وفن “النحت” يعاني ما يعانيه فن “التشكيل” أليس هذا صحيحاً؟ثم هل لديك مثل أعلى عالمي أو عربي تتبعين مدرسته ؟
- النحت يعاني من أزمة الجسد في بلداننا. هل لاحظتِ أي تمثال عار في إحدى الساحات أو الحدائق؟ حتى في المراكز الثقافية لا نجد! وغالباً يكون العري في النحت مبهماً أو تجريدياً او غير واضح. حاله كحال السائد للمنظور الفني كله.
من جهتي لا أتبع أي مدرسة تشكيلية، رغم إعجابي بكل المدارس واستمتاعي بأعمال كل الفنانين الرائعين. أعشق كل المدارس التشكيلية عدا التكعيبية لا أستسيغها. وأحب الخط الفني الذي يحمله الفنان ويخطه بأسلوب عاطفي وحسي مثل لؤي كيالي وايفون تشيلي، أعشق بوهيمية فاتح المدرس، وأحب أحمد معلا، وكذلك رفائيل من عصر النهضة، وشغب الفنانة الفرنسية لينوار ليني. لكن عندما أرسم أنسى كل المدارس والفنانين وأرسم ما أحب. أرسم وجداني وأفكاري وشغفي.
الصدق مفتاح الجمال ..
أفكار الكثير من لوحاتك، غاية في الحزن والوجع، لست أدري إن كنتِ تنقلين الواقع، أو تعكسين رؤاكِ الفنية على قماش اللوحات؟ إنما ألا يفترض بالفنان أن يبعث رسائل تفاؤل تحث المتلقي على الآمال؟
- أكيد هنالك لوحات في غاية الحزن وما مرّ بسورية غاية في الألم والحزن والوجع. الحرب اللعينة أفرزت فن حزين يحاكي ما نعانيه. رغم لوحاتي “الإيروتيكة” التي تدعو للحب وتقول إن الجنة على الأرض وليست في السماء! هنالك لوحات حزينة وبعضها يحمل المرأة مسؤولية ما حلّ بالوطن! أظن أن الحزن أصبح محفوراً في القلب فالألم كبير وغياب الأحبة لن ينسى أبداً.
ويخصوص التفاؤل. لا لا يفترض على الفنان أي شيء. عليه أن يكون صادقاً فقط، وأن يعبر عن رؤياه بطريقته. فالصدق هو مفتاح الجمال والإحساس باللوحة حتى لو لم تكن مكتملة أو فيها أخطاء، وحتى لو أن تجربته لم تكتمل بعد، فالإحساس بها هو المهم وهو الجمال بعينه حتى لو كانت حزينة جداً.
يستلزم عملي، وجودي في المعارض التشكيلية لتغطيتها. أنتِ موجودة في كل معرض لزميل أو زميلة. أخبريني إن كان الأمر متعلقاً بالواجب الاجتماعي والمجاملة، أم رغبة في الاطلاع على تطور تجارب الزملاء والزميلات ؟
- صحيح، ففي البداية أحببت أن أطلع على المشهد التشكيلي السوري، والتعرف على تقنيات فنانينا وأساليبهم وأفكارهم ورؤية كل منهم أيضاً. فوجدت نفسي أعشق المعارض والتمتع بالأعمال. كما تعلّقت بالأصدقاء خاصة أننا نتبادل الآراء والأحاديث حول الفن فهو شغفنا وعالمنا. وفي النهاية علينا أن نشجع بعضنا وأن نستمتع بالتجربة الأخرى وتقنياتها. فالفن مهم جداً لتشكيل رؤية ثقافية عن حضارة البلد وتشكيل منظور جديد ومشهد جديد لتاريخ معين ولحقبة معينة.