لماذا لم تستفد أسواق النفط من قرار إعادة فتح الصين؟

شهد المراهنون على صعود النفط بداية مؤلمة للعام الجديد حيث لا يزال أمام الانتعاش الكبير في استهلاك الطاقة أسابيع إن لم يكن أشهر حتى يتحقق بالفعل رغم أن إلغاء الصين لسياسة “صفر كوفيد” أثار حديثاً عن ازدهار الطلب القادم من أكبر مستهلك في أسواق النفط.
وبدأت أسواق النفط العالمية العام بوضع يشبه ما كانت عليه في نهاية عام 2022 مسجلة فائض في المعروض نتيجة مزيج الطلب الضعيف والعرض القوي بينما تعاني من تراجع أحجام تداول مقارنة بالماضي القريب.
وعانى القطاع من سلسلة من الانقطاعات غير المتوقعة لتكون النتيجة سوقاً عرضة لتحركات كبيرة ما يُصعب على متداولي النفط التنبؤ بمسار الأسعار سواء صعوداً أو هبوطاً مما كبح حجم التداولات.
في هذا السياق قال ’’جاري روس’’ مستشار النفط الذي أصبح مدير صندوق التحوط في شركة “بلاك غولد إنفستورز”: بالنسبة لي يزيد المعروض في السوق بما لا يقل عن مليون برميل يومياً، بالتالي سيكون لدينا فوائض كبيرة ففي غضون أسبوعين مثلاً سيكون هناك /10/ ملايين برميل كيف سيتعامل السوق مع هذا الأمر؟.
ومع تفاقم تخمة معروض الخام على المدى القريب بسبب إغلاق مجموعة من المصافي الأميركية في أعقاب ظروف التجميد الشديد الأخير التي ضربت البلاد، إليك بعض الأسباب التي تجعل سوق النفط لا تؤمن حتى الآن بوجود استفادة كبيرة من إعادة افتتاح الصين.
1- العاصفة الثلجية:
قبل عيد الميلاد بوقت قصير شهدت أجزاء كبيرة من الولايات المتحدة عاصفة شتوية شديدة متسببة في إغلاق سريع لمصافي التكرير وعندما بلغت العاصفة ذروتها تم إغلاق نحو 40% من القدرة الإنتاجية للنفط الخام في تكساس مع توقف عمل جزء منها في الأسبوع الأول من عام 2023.
وقالت ’’أمريتا سين’’ كبيرة محللي النفط لدى شركة الاستشارات إنرجي أسبكتس”في مقابلة أجرتها مع تلفزيون “بلومبرغ”: رأينا عواصف شتوية شديدة في الولايات المتحدة وهذا يعني تراجع التوازن في أسواق النفط الخام بالفعل.
2- التباطؤ العالمي:
المخاوف بشأن صحة الاستهلاك العالمي ما تزال قائمة نظراً لمخاطر التباطؤ المتزامن في الولايات المتحدة وأوروبا والصين فقد أظهرت أرقام قطاع التصنيع يوم الثلاثاء أن الاقتصاد الصيني شهد ركوداً حاداً في أواخر عام 2022 رغم تحسن التنقل في الأيام الأخيرة كذلك تستمر المخاوف تجاه ارتفاع الإصابات في الآونة الأخيرة وإمكانية تسببها في المزيد من التباطؤ الاقتصادي.
ولم ترتقِ أرقام التصنيع في الولايات المتحدة إلى مستوى التوقعات وبدلاً من ذلك أظهرت انكماشاً مستمراً يوم الأربعاء كما شهدت الأرقام الأوروبية تراجعاً أيضاً في ديسمبر (كانون الأول).
3- الضعف الموسمي:
عادةً ما تتزايد المخزونات في الربع الأول من العام. قدرت أحدث توقعات وكالة الطاقة الدولية ارتفاع إمدادات النفط بنحو /600/ ألف برميل يومياً مقارنة بالطلب المسجل في الربع الأول وهذا جاء حتى قبل معرفة تأثير موجة البرد الأميركية المفاجئة وما نتج عنها من إغلاق لمصافي التكرير.
وقال روس من “بلاك غولد إنفستورز”: بناء المخزون في الربع الأول سيشكل انعكاساً لنشاط الربع الأول بالتالي سيكون الطلب في حالة ركود”.
وأدى الطقس الدافئ في معظم أنحاء الغرب أيضاً إلى خفض بعض الضغط الذي تشهده أسواق الطاقة لتلبية الطلب على التدفئة.
ويُتوقع الآن أن تشهد معظم الولايات المتحدة درجات حرارة أقل برودة من المعتاد بين 10 إلى 16 يناير وفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.
وقد ارتفع الطلب على النفط الخام في وقت سابق مع تحول بعض وحدات توليد الطاقة من الغاز إلى النفط وسط نقص وارتفاع أسعار الغاز الطبيعي لكن الوضع الآن مختلف بالنسبة لسوق الغاز.
4- التحليل الفني:
كان على سوق النفط التعامل مع حجم السيولة المخيبة للأمال على مدى أشهر حيث أدت الاضطرابات المتصاعدة وهوامش الربحية المتغيرة إلى دفع حجم تداولات العقود الآجلة المفتوحة إلى أدنى مستوياتها في عدة أعوام وهذا التراجع في نشاط التداول جعل الأسعار عرضة لتقلبات حادة مع هيمنة المتداولون الفنيون المعروفون باسم مستشاري تداول السلع (CTAs) على التداول.
وتجاوزت العقود الآجلة للخام الأميركي المتوسط المتحرك لـ50 يوماً لفترة وجيزة خلال الأسبوع الماضي قبل أن تنخفض مرة أخرى إلى ما دون هذا المستوى وهي خطوة حفزت عمليات بيع فنية إضافية.
وقال أشخاص مشاركون في السوق: إن مستشاري تداول السلع كانوا يوصون ببيع النفط أيضاً أثناء انخفاض الأسعار يوم الأربعاء مضيفين أن البيع المدفوع بالزخم عزز التراجع.
5- تراجع الطلب:
في إشارة إلى الصين أوضحت مذكرة صادرة عن شركة الاستشارات “إف جي إي” (FGE) أن الإلغاء المفاجئ لقيود كوفيد-19 والاختبارات الجماعية منذ أوائل ديسمبر (كانون الأول) وانتشار الإصابات بشكل كبير تسبب في تراجع الطلب في الأسابيع الأخيرة خاصة على البنزين وزيت الوقود.
في وقت تصل فيه الإصابات بكوفيد في المدن الكبرى مثل بكين وشانغهاي وقوانغتشو ذروتها فإن ارتفاع الحالات في المناطق الداخلية والريفية سيحد من ارتفاع الطلب على المدى القريب بحسب مستشاري الصناعة.
ومع ذلك خصصت بكين حصة سخية من حصص تصدير الوقود إلى مصافي التكرير هذا العام مما دفع التجار والمحللين إلى توقع قدوم المزيد من الطلب المرتفع من الصين في الأشهر القادمة.