أرشيف الموقع

للشعر في أبديته … أحمد علي هلال

 

للشعر في أبديته …
«من فوق أنحل من أنين» كما أوحى بذلك شاعر مؤسس راحل كان اسمه فواز عيد، ليضعه عنواناً لمجموعة شعرية ليست عابرة وهذا الفوق بما يعنيه من السمو والعلو والرهافة أبعد من كيمياء رعش الشاعر الفطري الذي يقطره ليبدو العالم كجوهرة نفيسة يذهب الشعر في إثرها ليصوغ من أشعتها الخفية أسفاراً من الضوء والدهشة والمسرات، وكيف يجعل من «الأنين الناحل» صدى لمَ يجيش في قلب اللغة ذاتها، وليصبح العالم قصيدة تتلوها الحواس على مرأى من تاريخ يمر من هنا أو هناك، لن يجدي أن نقول الآن ما أكثر الشعراء وما أقل الشعر، فالشعر حركة الأشياء والكلمات في مداراتها الأخرى الواسعة، وصيرورات أرواحها ، وكيف تجيد مسافتها إلى وردة غافية خلف سياج الشوك والملح صوب أبدية ستحتفظ بأمثولتها وبإكسير أسماء من عبروها، ليقيموا فيها ما شاء إبداعهم، إذ ليست معضلتنا اليوم في الشعر ذاته، بل في الطريقة التي نرى فيها الأشياء، وكيف نقنع العين وسائر الحواس لنؤسس ثقافتها، لكنها عين البصيرة لا البصر وحده، وليجد من ذهبوا في إثر «سكنى العالم شعرياً» ملاذاً للأرواح القلقة في عالم يمور بالانفجارات والتناقضات واحتدامات المصائر، لا شعرية الخواتيم فحسب.

للشعر في أبديته

إذن من يكتب الشعر ومن يتلبسه الشعر، ليصوغ عقداً جديداً مع اللغة، متطيرة من أوهامها ومتلبسة بها بآن، ومن يحمل شعلة الأولمب ليضيء بها ذلك الجانب المظلم بحثاً عن ما هو ظليل وباهر، ليس الشكل وليس المعنى فحسب من يشكلا جدلية القول الشعري، بل هي نداءات الكينونة التي ترسم لهذا القول جغرافيته الممكنة وخرائطه الأثيرة، أن تبوح اللغة بممكنات الجمال خارج هويات ضيقة، يعني ذلك أن نمسك بأصابع القلب جمراتها، وأن نتقرى تلك النار المطفأة في رماد القصيد، تلك موهبة القلب والعقل بل ثقافتهما الدالة في السياقات كلها، وليفترع الشاعر وطناً من الكلمات لا حدود له، بل ذاكرة تمتد وتشتد لتجهر بغير صوت، وسيجمع الشاعر تلك الأصداء ليشكل منها قماشته اللغوية الباهرة، لنقول: هذا صوته هو، أن يأتي موقعاً على أصوات سابقيه لا بأس، لكنه الصوت المنخطف ليستدعي الأبدية بوصفها نشيداً لا يطفئه النسيان، ولا يسكنه العطب.
.

*كاتب وناقد فلسطيني- سوريا
.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى