العناوين الرئيسيةمرايا

لغات تهتم في صلات القربى … ( ترجمة حيّان الغربي)

 

مقارنةً باللغة الإنكليزية بعض اللغات تعير اهتماماً أكبر لـ صلات القربى (ترجمة حيّان الغربيّ )
ثمة كلمة في اللغة الإسبانية، على سبيل المثال، تعادل زوج بنت الحم. أطلق المغني روبرت ايرل كين أغنية الكاونتري “ميلاد مجيد من العائلة- Merry Christmas from the Family” في العام 1994، وتحكي الأغنية حكاية احتفال موسّع، زاخرٍ برفع الأنخاب وإنشاد أغاني الميلاد المبهجة وتناول أطباق الديك الرومي. سرعان ما سيدرك الكثيرون من مستمعي الأغنية الفوضى التي يصفها المغني، ناهيك عن أنهم قد يتبينون المصاعب التي يواجهها ليذكر ما يجمعه ببعض الضيوف من صلات قربى.

يقول كين في أغنيته: “فريد وريتا جاءا بالسيارة من هارلنغن، لا أذكر ما صلة القربى التي تجمعني بهما”. لعلّ هذه المصاعب تتعلّق باللغة الإنكليزية، فغالباً ما تقول النكتة بأن كل من هم/ هنّ في عمرك هم/ هنّ “Cousin- أبناء/ بنات عم/ عمة/ خال/ خالة” بصرف النظر عن الصلة الفعلية وكل من هم/ هنّ أكبر منك سنّاً هم/ هنّ “uncle- أعمام/ أخوال” أو “aunt- عمات/ خالات”. تكاد اللغة الإنكليزية تكون خاوية الوفاض فيما يخص صلات القربى.

لكن ثمة لغاتٍ أخرى تعير انتباهاً أكبر للتفاصيل بصدد صلات القربى. فلنأخذ كلمتي “brother- أخ” و”sister- أخت” على سبيل المثال، في المجتمعات التي تعلي من قيمة التراتب العمري غالباً ما تُستخدم مفردات مختلفة للأخ الأكبر والأخت الكبرى والأخ الأصغر والأخت الصغرى، ففي لغة المندرين (الفصحى الصينية) تستخدم “ge- الأخ الأكبر” و”jie- الأخت الكبرى” و”di- الأخ الأصغر” و”mei- الأخت الصغرى” وعادةً ما تجري مضاعفتها في الكلام مثل “didi”، وهي في اليابانية “ani” و”ane” و”ototo” و”imoto” على الترتيب.

وعلى الرغم من توافر البدائل العمومية لأوضاع معينة (مثل المفهوم التجريدي للأخوة والأخوات “siblings”، غير أن عدم تحديد التراتب العمري لشخص محدد في هاتين اللغتين سيبدو أمراً غريباً. ومن ثمّ، فلنأخذ العلاقات الناجمة عن الزواج على سبيل المثال أيضاً، فالإنكليزية تكتفي بإضافة عبارةً وفقاً للقانون in-law الفاترة للتعبير عن هذه العلاقات، في حين أن الفرنسية تخصص مفرداتٍ أكثر دفئاً (beau أو belle- جميل(ة)) للتعبير عن الحماة- belle-mere وابن الحم- beau-frere وهلمّ جراً. على الأقل تستخدم الصفة “جميل(ة)” في هذا الصدد بدلاً من اللجوء إلى القيود البيروقراطية والقانونية.

 تحتوي لغات أوروبية أخرى على كلمات متمايزة للتعبير عن مختلف الأقارب المكتسبين عبر الزواج، إذ يجب على متعلّم الإسبانية أن يحفظ الكلمات التالية: cunado- ابن الحم، cunada- بنت الحم، yerno- الصهر (زوج الابنة)، nuera- الكنة، suegro- الحم، suegra- الحماة (والمرادفات مماثلة في اللغة البرتغالية). لا بل إن اللغة الإسبانية تفرّق بين cunado- ابن الحم (أخو الزوج/ الزوجة) وبين cocunado- زوج أخت الزوج/ الزوجة أو ما يشبه الصهر المشترك- co-brother-in-law. كما تستخدم في اللغة الإسبانية كلمة cunadismo- القربى بالمصاهرة للتعبير عن التحدث عن أمرٍ ما يعرف المتحدث عنه القليل بينما يدعي أنه مرجعيةٌ فيه، وهي شبيهة بمعناها بالكلمة الإنكليزية mansplaining- التعجرف.

انطلاقاً من هنا تأخذ الأمور منحىً أكثر تعقيداً، إذ تفرّق اللغة العربية بين العمّ/ العمّة والخال/ الخالة، ولكن من يتزوج/ تتزوج من العائلة لا يكتسب/ تكتسب أياً من هذه الألقاب، فزوجة العم لا تصبح عمة بل تبقى زوجة العم- uncle’s wife وبذلك تبقى صلة القرابة واضحةً، الأمر الذي ينطبق على أبناء/ بنات الأعمام/ العمات- الأخوال/ الخالات- cousins الذين لا تخصص لهم/ لهن اللغة العربية مفردات خاصة فهم يبقون أبناء/ بنات الأعمام/ العمات- الأخوال/ الخالات حسب الحالة. وعلى الرغم من أن اللغة الصينية تقيم الكثير من هذه الفوارق، غير أن نظامها يتسم بتعقيد أكبر، إذ يجب على المتحدث في الكثير من الحالات أن يتذكر فيما إذا القريب المعني أكبر أو أصغر سناً، وفيما إذا كان أقارب والديه المعنيين أكبر أو أصغر سناً من الوالد ذي الصلة وهلّم جرّاً. ثمة العديد من النظريات حول العلاقة بين اللغة والثقافة مما لا يصمد على طاولة التدقيق. مع ذلك، يجري الربط بشكل معقول بين تركيز اللغات الشرق آسيوية على التراتب العمري من جهة وبين الأهمية التي تسبغها الكونفوشيوسية على فضيلة توقير المسنين واحترام من هم أكبر سنّاً.
وفي نهاية المطاف، إنها لحقيقةٌ واقعة أن اللغة الإنكليزية تفتقر لكلمة للتعبير عن العلاقة الهامة والحيوية بين والديّ الزوجين -صلات القربى- وعلى الرغم من ذلك، هناك الكلمتان mehutanim وmachatunim- والدا زوجة الابن/ زوج الابنة (وفي الإسبانية هناك consuergo- حمو الابن أو الابنة) في اللغتين العبرية واليديشية للتعبير على هذه العلاقة الحيوية. في غضون ذلك، يجد الناطقون باللغة الإنكليزية أنفسهم مضطرين إلى استخدام صياغة مربكة في هذا الصدد مثل: “والدا زوجة ابني”. غير أن تركيز بعض الحضارات على إفراد كلمات خاصة للدلالة على كل علاقة أو صلات قربى ممكنة لا يعني أن بقية الحضارات التي لا تفعل ذلك لا تهتم بالعلاقات العائلية، فلربما تكاد لا تخلو عائلة ناطقة بالإنكليزية من نسّابٍ نظريٍّ واحدٍ على الأقل ممن يجزمون بأن هنري فورد كان عماً أو ابن عمّ من الدرجة الرابعة لأحد أسلافهم. ولكن لا تخلو أي عائلةٍ أيضاً من أفرادٍ لا يهتمون بـ صلات القربى البتة. تتيح جميع اللغات للمرء وصف العلاقات بقدر من التفاصيل وفقاً لما قد يرغب به المستمع.. بيد أن تلك اللغات التي تعوز كلمات محددة للدلالة على الأقارب تجبر متحدثيها على استذكار التفاصيل والتنقيب عن تلك الحقائق في أعماق الذاكرة كلما تطرقوا إلى الأمر.
وهكذا، يتضاءل احتمال أن يدندن مغنٍ عربي قائلاً: ” لا أذكر ما صلة القربى التي تجمعني بهما” بخلاف ما قد يحدث مع المغني الأميركي.

.
*شاعر ومترجم – سوريا

.
لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews/

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى