دراسات وأبحاث

لبنان ونظرية المؤامرة .. ممدوح الطباع ..

midline-news .. الوسط ..

 

ما هي نظرية المؤامرة ؟ 

نظرية المؤامرة هي : رفض التفسير القياسي لحدث ما ، وبدلاً من ذلك ينسب هذا الفعل أو هذا الحدث إلى مجموعة أو منظمة دخيلة سرية قامت بتنفيذ هذه المؤامرة السرية .

في لبنان يعتمد كثيرون اليوم على هذه النظرية بهدف تفسير الحدث الحاصل هناك سواءً كان هذا الحدث عابراً أم مدبراً، تفجيراً أم انفجاراً، و لكي نكون قادرين على فهم إذا ماكانت حادثة المرفأ هي نتيجة تقصير حكومي بسبب الفساد أو الإهمال أم أنها عدوان خارجي، أم مؤامرة داخلية، أو أياً كان السبب والهدف وراء هذا العمل المشين، يجب علينا أن نقوم بقراءة معطيات هذا الحدث بحذر وعدم التسرع بإلقاء الأحكام، على الأقل قبل صدور النتائج الأولية للتحقيق بسبب خطورة الوضع اللبناني وحساسيته .

لماذا يؤمن كثيرون بنظرية المؤامرة ؟

تناولت الكثير من الأبحاث في مجال علم نفس الاجتماعي، أسباب انجذاب بعض الناس وبشكل خاص إلى نظريات المؤامرة، فعلى سبيل المثال:

  • الأشخاص الذين يؤمنون بهذه النظرية لديهم حاجة كبيرة لما يسمى بـ “الإغلاق المعرفي” و هو ما يفسر بأنه “الرغبة في العثور على تفسير لحدثٍ معين عندما لا يوجد تفسير محددٌ له”، بالإضافة لرغبة هؤلاء الأشخاص بأن يكونوا أشخاصاً فريدين من نوعهم في طريقة قراءتهم للحدث.
  • السبب الثاني نسبته عديد من الأبحاث في مجال علم النفس الإجتماعي لما يسمى ب “التفكير الغائي”، وهو تحيز معرفي، و يدل على الحساسية المفرطة لمعرفة الأسباب الخفية وراء حصول حدث معين، وبلغة أبسط (يتم عزو الأحداث بشكل مفرط إلى قوى ودوافع خفية)،
  • أما السبب الثالث وراء الاعتقاد بنظرية المؤامرة فقد ربطته بعض الأبحاث بالمستوى التعليمي المتدني لبعض الأفراد، بالإضافة إلى اعتماد طرق تفكير تحليلي خاطئة .
اللبنانيون ونظرية المؤامرة .

يذهب  كثيرٌ من اللبنانيين  اليوم لتفسير حادثة  المرفأ على أنها  مؤامرة ضد الشعب اللبناني، فحادثة المرفأ كانت الفتيل لإشعال الشارع اللبناني الذي أصبح يواجه الأمرين بسبب تردي الأوضاع الإقتصادية وإنتشار الفساد في البلاد، لكن قبل الذهاب بعيداً في هذا السياق يجب الإضاءة هنا على عدة نقاط تربط اللبنانيين بنظرية المؤامرة وهي :

  • إن أي عمل يهدف أو يحاول التأثير أو التشويش على عملية التحقيق في أسباب حادثة المرفأ سيكون ذا بعد سلبي على نتائج التحقيق و مساره، فالتحقيق هو وحده من سيكون قادراً على تحديد الجهة أو الجهات أو الأفراد المسؤولين عن هذه الحادثة.
  • إن استقالة حكومة حسان دياب في لبنان ترسم العديد من إشارات الإستفهام حول مستقبل مسار التحقيق في حادثة المرفأ، هل سيتم متابعة التحقيقات؟ أم أنه سيتم لملمة التحقيق وطمس هوية المسؤول؟
  • الإنتفاض الثوري ضد الفساد والفاسدين هو أمر حتمي وضروري وواجب، وعلى الرغم من أن الغضب الجماهيري قاد الحكومة لتقديم إستقالتها، إلاّ أن نتائج هذه الإستقالة مازالت مجهولة.
  • يجب على اللبنانين إدراك أن لبنان لم يعد يملك شيئاً من الحصانة الاقتصادية والنقدية، وهو ما سيضعف قراره الإستراتيجي، و هذا ما قد تراه إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية فرصة كبيرة يجب إستغلالها .
  • أي عروض مساعدة سيتلقاها لبنان من أجل انتشاله من محنته التي يمر بها لن تكون من دون مقابل، حتى مع إستقالة الحكومة فكل له خططه و أهدافه التي يسعى جاهداً لتحقيقها، و هي بالتأكيد لن تصب في مصلحة الشعب اللبناني.

انتفاضة الشارع شرعية .

في التقرير العالمي عن الصحة والعنف والصادر عن منظمة الصحة العالمية في العام 2002، أدرجت لجنة كارنيجي والتي تعنى بشؤون الصراع المميت،  مؤشرات للدول المهددة بالانهيار والصراع الداخلي، حيث أ كدت ا ن العوامل السياسية والاقتصادية، الاجتماعية والمجتمعية، والعوامل الديموغرافية، عندما تتفاعل مجتمعة مع بعضها البعض تخلق ظروفا  للصراع العنيف. وعلى الرغم أنه قد لا يكون أي منها بمفرده كافياً ليؤدي إلى العنف  المميت أو تفكك الدولة إلا أن هذه العوامل تعد من أهم أسباب نشوب النزاعات العنيفة. صنف التقرير العوامل بالشكل الآتي:

1- العوامل السياسية :

أ – الافتقار إلى العمليات الديمقراطية .

ب – عدم المساواة في الوصول إلى السلطة .

2 – العوامل الإقتصادية : 

أ – التوزيع غير العادل والصارخ للموارد .

ب – عدم المساواة في الوصول إلى الموارد .

ت – السيطرة على الموارد الطبيعية الرئيسية .

ث – إنتاج المخدرات وتداولها .

3- العوامل الاجتماعية والمجتمعية .

أ – عدم المساواة بين المجموعات .

ب – تأجيج التعصب الجماعي .

ت – خطوط عرقية أو قومية دينية .

ث – جاهزية الوصول إلى الأسلحة الصغيرة وأسلحة أخرى .

نستطيع واعتماداً على الدلالات السابقة الإستنتاج  أن لبنان اليوم  بما يعيشه من عوامل سياسية، واقتصادية، واجتماعية ومجتمعية، على  شفير الإنهيار، حيث أن حادثة المرفأ وما سبقها وما سيليها، قد تكون سبباً رئيسياً في وضع لبنان في دائرة (الصراع العنيف والمميت).

إستقالة حقيقة أم تغريغ للغضب الشعبي ؟

توالت الإستقالات في الحكومة اللبنانية بعد حجم الغضب الذي شهده الشارع اللبناني على أثرأحدث الرابع من آب الجاري، فقدّمت كلٌ من وزيرة العدل اللبنانية ماري كلود نجم، ووزير البيئة دميانوس قطار، ووزيرة الإعلام منال عبد الصمد، إستقالتهم على خلفية انتفاضة الشعب اللبناني والتي طالبت بإسقاط التركيبة السياسية في البلاد وإعدام الفاسدين، كما أنّ وزير المالية غازي وزني كان قد قدّم إستقالته هو أيضاً في يوم الإثنين، ليتلوه بيانٌ من رئيس الوزراء حسان دياب بإستقالة الحكومة اللبنانية بأكملها، الجدير بالذكر هنا أنّ الحكومة في لبنان تتألف من 20 وزيراً، ولا بدّ من إستقالة أكثر من ثلثي إعضائها لتسقط حكماً، بموجب القانون.

يرى كينيث ولتز عالم السياسية الأمريكي، بأن الفوضى هي فضيلة لأنها تقيد وتثبّت السلوك السياسي في نفس الوقت، كما أنّ الأنظمة في حالة الفوضى تشّرع عادة سلسلة من النتائج المرغوبة سياسياً والتي من الممكن أن تؤدي إلى عدد من التأثيرات الإيجابية في الدولة.

إذا نظرنا للوضع الللبناني من خلال عدسة تفاؤلية، و اعتماداً على ولتز، سنكون قادرين على التقييم بأنّ حالة الإنفجار الشعبي هذه التي حصلت سوف تؤتي بثمارها على لبنان، حيث سيكون هناك قرارات سياسية حاسمة، تصب بمصلحة الشعب والوطن وستخرج لبنان من محنته.

على الطرف المقابل نجد أيضاً،أنّ لبنان ليس قادراً في الوقت الراهن على النهوض بسرعة من محنته  بسبب التشابكات والتقاطعات السياسية التي تربطه وتعقد من الوضع السياسي فيه، فالشعب اليوم يواجه أضراس السياسية الطائفيين في البلد و المرتبطين (بصلات خارجية)،  وحتى إن كان بعض من أشخاص الحكومة الحالية أو أي حكومة مستقبلية يريدون إيجاد أي نوع من التوازنات السياسية على الصعيد الداخلي أم الخارجي، فيجب عليهم بداية مواجهة طغاة السياسة الحاليين، والذين يهدفون  إلى تفريغ  الحراك الشعبي من مضمونه لضمان بقاء أجنداتهم، لأن أي مساس بالوضع اللبناني البالغ التعقيد سوف يؤدي إلى إنهيار أكبر للدولة.

يمكن التنبؤ بأن إستقالة الحكومة في لبنان ستؤدي إلى طريقين مختلفين :

  • الأول هو التهدئة وإنتخاب حكومة جديدة برعاية أجنبية خارجية،
  • الثاني هو إغراق لبنان أكثر وهو ما سيعزز ثقافة الانقسام بين الطوائف، وخاصة إذا ما حملت جهة سياسية معينة أو حزب ما مسؤولية تفجير المرفأ.

ختاماً، لا توجد شكوك حول شرعية انتفاضة الشارع الللبناني في وجه الفساد والفاسدين والنخب الحاكمة، لكن المساس بالوضع اللبناني أو أي محاولة لتغيير دوره الإقليمي، ربما سيكون شرارة لإشعال نزاع طائفي من جديد، وهو ما قد يعود بلبنان إلى ما فترة الحرب الأهلية مرة أخرى.

*باحث سياسي سوري – برلين 
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى