إعلام - نيوميدياالعناوين الرئيسية

كيف بعنا الاتحاد السوفياتي وتشيكوسلوفاكيا لأكياس التسوق البلاستيكية؟! أندريه فلتشيك

ترجمة : مراد داغوم

|| Midline-news || – الوسط …
.

أندريه فلتشيك Andre Vltchek، محلل سياسي وصحفي ومخرج أمريكي من مواليد الاتحاد السوفيتي 1963. ولد فلتشك في لينينغراد، ولكنه أصبح لاحقًا مواطنًا أمريكيًا بعد منحه حق اللجوء هناك في العشرينات من عمره. عاش في الولايات المتحدة وتشيلي وبيرو والمكسيك وفيتنام وساموا وإندونيسيا. توفي 22 أيلول/سبتمبر 2020 (56 سنة) في اسطنبول، تركيا.
نشر أندريه هذا المقال في “تشاينا ديلي China Daily” ووجهه إلى لشباب في هونغ كونغ- يوم الجمعة، 19 يونيو 2020 ثم نقلتها “جلوبال ريسيرش Global Research”، بعد أربعة أيام 23 يونيو 2020.

يقول:
كان هذا المقال قصة أردت مشاركتها مع القراء الشباب في هونغ كونغ منذ أشهر، والآن يبدو أن هذا هو الوقت المناسب حقًا للنشر، حيث تدور المعركة الأيديولوجية بين بعض القوى العظمى في الغرب والصين، ونتيجة لذلك، تعاني هونغ كونغ والعالم بأسره. أريد أن أقول أن هذه القصة ليست جديدة، وأن القوى الغربية العظمى زعزعت بالفعل استقرار العديد من البلدان والأقاليم، وغسلت أدمغة عشرات الملايين من الشباب الذين كنت أنا واحداً منهم! ولو لم أكن لما استطعت فهم ما يحدث الآن في هونغ كونغ.
ولدت في “لينينغراد Leningrad”، وهي مدينة جميلة في “الاتحاد السوفيتي” تسمى الآن “سان بطرسبرغ”، وتغير اسم البلد إلى “روسيا”. أمي نصف روسية ونصف صينية، وهي فنانة ومهندسة معمارية. انقسمت طفولتي بين لينينغراد وبلسن Pilsen، وهي مدينة صناعية تشتهر بالبيرة، في أقصى الغرب لما كان يُعرف في السابق باسم “تشيكوسلوفاكيا”. وكان أبي عالمًا نوويًا.
كانت المدينتان مختلفتين تنتميان أساساً إلى نظام سياسي علَّمكم أصحاب البروباغاندا الغربيين أن تكرهوه. “لينينغراد” هي واحدة من أكثر المدن روعة في العالم، تضم أعظم المتاحف ومسارح الأوبرا والباليه والأماكن العامة. وفي الماضي كانت هي العاصمة الروسية. “بيلسن” مدينة تشيكية صغيرة، يبلغ عدد سكانها 180 ألف نسمة فقط.
لكن عندما كنت طفلاً، كانت تضم العديد من المكتبات الممتازة، ودور السينما ودار الأوبرا ، والمسارح الطليعية والمعارض الفنية وحديقة الحيوانات البحثية، مع أشياء لا يمكن أن توجد حتى في المدن الأمريكية التي يبلغ عدد سكانها مليون نسمة، كما أدركت لاحقًا بعد فوات الأوان. كلتا المدينتين، واحدة كبيرة وأخرى صغيرة، تتمتعان بمواصلات عامة ممتازة، وحدائق شاسعة، وغابات تصل إلى أطرافها، وفضلاً عن المقاهي الأنيقة كان لدى “بلسن” عدد لا يحصى من مرافق التنس المجانية وملاعب كرة القدم وحتى ملاعب تنس الريشة.
كانت الحياة جيدة وذات مغزى. كانت غنية، ليس بالمال، ولكنه غنى ثقافي وفكري وصحي. مع إمكانية الحصول على معارف مجانية يمكن الوصول إليها بسهولة عن طريق أركان الثقافة في كل زاوية، وكانت الرياضة للجميع.
كانت وتيرة الحياة بطيئة فتجد متسعاً من الوقت للتفكير والتعلم والتحليل. لكنها كانت أيضًا ذروة الحرب الباردة. كنا صغارًا ومتمردين ويسهل التلاعب بنا. لم نكن راضين عما أعطي لنا، اعتبرنا أن كل شيء جميل حولنا هو بديهي لا يستحق العرفان. في الليل، كنا ملتصقين بأجهزة الراديو الخاصة بنا، نستمع إلى البي بي سي، وصوت أمريكا، وراديو أوروبا الحرة، وغيرها من خدمات البث التي تهدف إلى تشويه سمعة المعسكر الشرقي وجميع البلدان التي كانت تقاتل ضد الإمبريالية الغربية!
كانت التكتلات الصناعية الاشتراكية التشيكية تبني متعاونة مصانع كاملة، من الصلب إلى مصانع السكر، في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا. لكننا لم نشهد أي مجد في ذلك لأن وسائل الدعاية الغربية كانت ببساطة تسخر من مثل هذه الإنجازات. كانت دور السينما لدينا تعرض روائع السينما الإيطالية والفرنسية والسوفياتية واليابانية. لكن قيل لنا أن نطلب الخردة من الولايات المتحدة. كان ما يتوفر موسيقياً رائعاً، حفلات حية وتسجيلات. في الواقع، كانت جميع أنواع الموسيقى تقريبًا متاحة، على الرغم من بعض التأخير في الوصول، في المتاجر المحلية أو حتى على خشبة المسرح. المواد التي لم تكن تباع في متاجرنا كانت نفايات عدمية. لكن هذا هو بالضبط ما قيل لنا أن نرغب فيه ونطلبه. وقد رغبنا في ذلك، وقمنا بنسخه بإجلال ديني، على مسجلاتنا. ومع ذلك، تصرخ وسائل الإعلام الغربية قائلة إنه انتهاك صارخ لحرية التعبير. لقد عرفوا، ويعرفون الآن، كيف يتلاعبون بأدمغة الشباب. في مرحلة ما، تحولنا إلى متشائمين شباب، ننتقد كل شيء في بلادنا، دون مقارنة، حتى بدون أقل قدر من الموضوعية.
هل يبدو هذا مألوفا؟
قيل لنا، وكررنا القول: كل شيء في الاتحاد السوفيتي أو تشيكوسلوفاكيا كان سيئًا. كل شيء في الغرب كان رائعا. نعم، كان مثل بعض الديانات الأصولية أو الجنون الجماهيري. لا تكاد تجد شخصاً محصنًا ضد البروباغاندا. في الواقع، لقد أصبنا، كنا مرضى، وتحولنا إلى أغبياء. كنا نستخدم المرافق العامة المحلية، من المكتبات إلى المسارح والمقاهي المدعومة، لتمجيد الغرب وتشويه سمعة دولنا. هكذا تم تلقيننا العقائد من خلال محطات الإذاعة والتلفزيون الغربية ومن خلال المنشورات المهربة إلى البلدين.

في تلك الأيام، أصبحت أكياس التسوق البلاستيكية من الغرب رمزًا للمكانة الاجتماعية! وكما تعلمون، هي الحقائب المجانية التي تحصلون عليها عند الشراء من محلات السوبر ماركت الرخيصة أو المتاجر الكبرى. عندما أفكر في الأمر بعد عدة عقود، لا أستطيع أن أصدق ذلك: الأولاد والبنات المتعلمون يسيرون بفخر في الشوارع، ويعرضون أكياس التسوق البلاستيكية الرخيصة، والتي دفعوا مقابلها مبلغًا كبيرًا من المال. لأنها أتت من الغرب. ولأنها كانت ترمز إلى النزعة الاستهلاكية! لأنه قيل لنا أن الاستهلاك أمر جيد. قيل لنا أنه يجب أن نرغب في “الحرية”، الحرية على النمط الغربي. صدرت لنا تعليمات بـ “النضال من أجل الحرية”.
بكن، من نواح كثيرة، كنا أكثر حرية من الغرب. لقد أدركت ذلك عندما وصلت إلى نيويورك لأول مرة ورأيت مدى سوء تعليم الأطفال المحليين في عمري، ومدى ضحالة معرفتهم بالعالم؛ ومدى ضآلة الثقافة الموجودة في مدن أمريكا الشمالية المتوسطة الحجم العادية. أردنا، وطلبنا الجينز المُفصَّل. كنا نتوق إلى شركات الانتاج الموسيقي الغربية في مركز أسطوانات الغرامافون عندنا. لم يكن الأمر يتعلق بالجوهر أو الرسالة. كنّا نُفَضِّلُ الشكل على الجوهر. كان طعامنا ألذ، منتج بيئيًا. لكننا أردنا التغليف الغربي الملون، فطلبنا الكيماويات.
كنا دائما غاضبين، مضطربين، تصادمين. كنا نعادي عائلاتنا. كنا صغارًا … لكننا شعرنا بالشيخوخة ! نشرت ديواني الشعري الأول، ثم غادرت وأغلقت الباب خلفي، وذهبت إلى نيويورك. وبعد فترة وجيزة، أدركت أنني خدعت! هذه نسخة مبسطة جدا من قصتي، لكنني سعيد لأنني أستطيع مشاركتها مع قراء هونغ كونغ، وبالطبع مع قرائي الشباب في جميع أنحاء الصين. دولتان رائعتان كان كل منهما موطنا لي تمت خيانتهما وبيعهما مجانًا، مقابل زوج من المكتسبات: الجينز المُفصَّل، وأكياس التسوق البلاستيكية.
بعد أشهر من انهيار النظام الاشتراكي، احتفل الغرب! سلب من البلدين حرفياً كل شيء عن طريق الشركات الغربية. فقد الناس منازلهم ووظائفهم، وتم ردع الأممية. تمت خصخصة الشركات الاشتراكية الفخمة، وفي كثير من الحالات تصفيتها. وتم تحويل المسارح ودور السينما الفنية إلى أسواق ملابس مستعملة رخيصة. في روسيا، انخفض متوسط​العمر المتوقع إلى مستويات أفريقيا جنوب الصحراء، وتم تقسيم تشيكوسلوفاكيا إلى قسمين.
الآن، بعد عقود، أصبحت كل من روسيا وتشيكيا ثريتين مرة أخرى. تمتلك روسيا العديد من عناصر النظام الاشتراكي مع التخطيط المركزي. لكنني أفتقد البلدين كما كانا في السابق، وتُظهر جميع الاستطلاعات أن غالبية الناس هناك يفتقدونهما أيضًا. أشعر أيضًا بالذنب ليلًا ونهارًا لأنني سمحت لنفسي بالتلقين، والاستغلال، والتوجيه للخيانة. بعد رؤية العالم، أدركت أن ما حدث لكل من الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا حدث أيضًا في أجزاء أخرى كثيرة من العالم. والآن، تستهدف القوى الغربية العظمى الصين باستخدام هونج كونج. في أي وقت في البر الرئيسي للصين، وأينما كنتم في هونغ كونغ، أكرر: من فضلكم لا تتبعوا مثالنا الرهيب. دافعوا عن أمتكم! لا تبيعوها مجازًا لبعض أكياس التسوق البلاستيكية القذرة. لا تفعلوا شيئًا تندمون عليه لبقية حياتكم!

.

*عن تشاينا ديلي China Daily – ترجمة مراد داغوم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى