إضاءاتالعناوين الرئيسية
كلمات غير متقاطعة … أحمد علي هلال

في زمن ما كان بعض القراء يبحثون في الجريدة عن الكلمات المتقاطعة، لن نتسرّع هنا بنعت مترف «القارىء الكسول» أو نذهب في امتداح الكسل، بل لعل «الكلمات المتقاطعة» قد تشي بثقافة ما، أو يجتهد قارئها في امتحان ثقافته بحثاً عن الكلمة الضائعة، صحيح أنها نافذة للقارئ الهارب من صرامة الأخبار، التي يقرأها بنصف عين فحسب، لكن الواقع أصبح كلمات غير متقاطعة بحثاً عن أكثر من كلمة ضائعة، سياقات وأفكار، وقس على ذلك، بحثاً عن ما يجعل الكلمات تتقاطع في واقع محكوم بالتناقض والتضاد، ولعلفي ذلك جماليته بمعنى ما، في النقد عرفت «جماليات القبح»، فالأمر لا يقف عند ذلك وحده بل يتعداه إلى الفنون، فكيف تجتمع الأضداد في نسيج لغوي واحد؟. وما الذي دعا الصحفي اللامع نبيل خوري ليكتب ذات يوم «دعوة للتوقف عن القراءة»، وهو يقارب البحث عن وطن في مقابل غربة أصبحت «وطناً»، وفي مقابل أن الاستثمار لم يعد في الإنسان، وأن المشاريع الكبرى ظلت محض أحلام…
إذاً .. ثمة كلمات غير متقاطعة في هذا العالم «الشطرنجي» المالح، الذي يسود فيه سوء فهم ما، اخترق أنساق التفكير والسلوك، وكأن سوء الفهم أصبح فهما بديلا –بقلب المعنى- عليك أن تبحث فيها، لا لتنجز ما يعنيك على الاتساق في رؤية عالم كثير الارتياب والشكوك، وحوائط المبكى الكثيرة، والحجاج بنسب الحنين ومن أي بذرة جاء، وأي سلالة لغوية أنتجته؟.
ثمة ما يمكن قوله بعيداً عن البحث واكتناه أشكال من المغامرة الفائضة عن المتخيل، فتعبير الصور في السينما، سيمثل مثالاً إضافياً كفيلم البارع أيمن زيدان «غيوم داكنة» بحثاً مرة أخرى عن ما يمكن تسميته بالشبيه المختلف، في ما بعد الحرب ومحكياتها الإنسانية، محكيات الحب المسروقة من زمن لا لون له… تتقاطع الكلمات لتشي بالمعنى العميق، المترع بأحلام نهارية، وذات المعنى الذي يفسر نزعة الحنين عند البشر لتعود إلى الماضي على شكل أغنية ومطرب قادم منه، فهل أصبح الماضي بديلاً عن مستقبل مازال يرهص بقدومه، علينا أن نأتي من المستقبل حتى يصبح للكلمات المتقاطعة بريق لا يستنفد ضوءه.
.
*كاتب وناقد فلسطيني- سوريا
.
لمتابعتنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews