|| Midline-news || – الوسط …
رائحة معجون الحلاقة ..كم أحببتها وكم لا زلت أحبها !
تلك الرائحة التي كانت تفوح وأنا أنظر عالياً جداً لأتأمله وهو يحلق ذقنه ..
الرائحة الأب..
الرائحة التي تعني أنه هنا بعد غياب طويل ومضنٍ، وأنه سيحملني مجدداً بين ذراعيه ليرميني عالياً في الهواء فأطير.. وأني لست بحاجة للذهاب إلى خزانة ملابسه في واحدة من نوبات شوقي إلى أبوته الممتلئة والمالئة لأشم رائحة تبغه وبقايا عطره!
إنه هنا .. هنا والآن بكل كثافة حضوره .
ويمضي يوم .. يومان وفي أحسن الأحوال ثلاثة، ليصحو الأب عند الفجر، يرتدي بدلته “الكاكي” ذات النجوم، والحذاءه برقبته الطويلة، وتلك اللوحة..!
اللوحة المعدنية المرعبة التي يضعها الجنود في أعناقهم حين يذهبون إلى المعركة، تلك اللوحة التي كانت تعني أنه ربما سيذهب دون عودة! وكثيراً ما أسأل نفسي الآن كيف لطفلة استشعار الخطر الذي تشير إليه قطعة معدن محفورة بكلمات وأرقام تفوق قدرتها على القراءة والفهم لتغرق في الخوف؟
ولكنه كان يعود .. وكنت على يقيني الطفولي الصافي والمشبع بالقيمة المطلقة لمعنى الحب الأبوي بأنه عاد لأجلي .. كان يعود ليرحل مجدداً وأخاف وأحبه أكثر.