رأي

قمتا موسكو: القادم أعظم.. بشار جرار – واشنطن

ليس بالضرورة الإفصاح عن كل شيء. غالباً ما تبقى الأمور قيد الكتمان، وبعضها لا ترفع عنه السرية إلى بعد ما معدله في معظم دول العالم ثلاثة عقود.

أخطّ هذه السطور بين قمتي موسكو: الأولى اختتمت أعمالها بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد، والثانية -وبفارق أيام- قمة الحليفين الأكثر تحدياً للأحادية القطبية، بوتين ونظيره الصيني، شي جين بينغ. من الناحية الواقعية، أي اتفاق إقليمي (شرق أوسطي) أو دولي لن يمر دون التعامل مع هؤلاء القادة الثلاثة.

قطعاً هذا لا يرضي واشنطن ولا أي من حلفائها، لكن مرة أخرى الواقعية تقتضي الحكم على الأمور بعيداً عن المواقف الشخصية، أخطأ البعض بتكريس ماكنة الدعاية (الصحافة الموجّهة عن بعد) في شخصنة السياسة، ما زال عالمنا منذ الحرب العالمية الأولى وحتى يومنا هذا يصر على شخصنة العداء وشيطنة الأعداء، وفي الحالتين كارثة محققة، تضع هذه العقلية “المتعالية” العالم في مسار تصادمي تارة باسم المصالح وهكذا علانية، وتارة أخرى باسم القيم بكل ما فيها من معايير مزدوجة انكشفت في كثير من المواقف خاصة في كارثتي كورونا التاسع عشر، المخلّق (مخبريا) كما ثبت على الأرجح، وأوكرانيا التي قيل أن فيها ما يستدعي التحقق أو التحقيق من “منشآت” تتعلق بـ”بحوث بيولوجية” باعتراف ثالث شخصية قيادية في الخارجية الأمريكية -فيكتوريا نولاند- أمام جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكي في بدايات الحرب.

تزامنت القمتان مع تداعيات الاتفاق الذي رعته بكين بين السعودية وإيران، الاتفاق الذي تضمنه الصين، يأتي مكملاً لإمساكها وروسيا بقبضتي اتفاق ينتظره الرئيس الأمريكي جو بايدن بفارغ الصبر، وهو الاتفاق النووي المعدّل الذي أبرمه سلفه ورئيسه السابق باراك حسين أوباما، وقام بتمزيقه سلفه ومن قد يليه في البيت الأبيض، دونالد ترامب.

من بين ما رشح عن قمة بوتين-الأسد هو أن قاعدة حميميم لن تكون الوحيدة الروسية في سورية، فأين ستقام تلك القواعد؟ إن كانت حميميم ترقب من مرابضها وأبراجها شرق البحر الأبيض المتوسط، فأين هي المناطق المرشحة وما علاقتها بالجوار، أخاً كان أم صديقاً أو عدواً؟ نظرة إلى الخارطة الجغرافية ونظرات أخريات أكثر تفحصاً لمصادر الطاقة وخطوط إنتاجها ونقلها، كفيلة بالإجابة التي لا تبتعد كثيراً عن أسباب الحرب في سورية أو عليها، لا بل و”الربيع العربي” المزعوم المشؤوم في كل ساحاته، وخاصة ليبيا ومصر.

ولعل في الضغوط المتنامية اقتصادياً على مصر بعد فشل محاولات زعزعة أمنها بالإرهاب، ما يشير إلى الرابط بين التقارب العربي غير المسبوق مع كل من روسيا والصين، هذا التقارب يجمع أطرافاً كانت في تنافر، وبعضها في احتراب دموي، تسبق فصوله السنوات الاثنتي عشرية السوداء، إلى زمن الحرب الباردة أيام “الرجعيين والتقدميين”.

فهل يأتي الرئيس الصيني بمبادرة تنهي حرب أوكرانيا؟ أو تعجل من حسمها – قطعاً لصالح روسيا؟ أم أن “الدب الروسي” و”التنين الصيني” سيقلبان الطاولة الطويلة، تلك التي استخدمها بوتين مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يعاني من “ثورة” بحسب هاشتاغ تصدر الترندات الفرنسية؟ إن جعلاها حرب استنزاف مرتدة على الناتو، فنحن بانتظار مولد قيصري لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. وفي ذلك خير لمن أراد سلاماً هذه المعمورة الهشة..

 

إقرأ أيضاً .. دياسبورا: سفراء لا وكلاء ..

إقرأ أيضاَ .. للمحتفلين بالمرأة: لا تنسوا “السيدة”..

 

*كاتب ومحلل سياسي – مدرب مع برنامج الدبلوماسية العامة في الخارجية الأميركية ..
المقال يعبر عن رأي الكاتب ..
عنوان الكاتب على basharjarrar : Twitter

 

صفحاتنا على فيس بوك – قناة التيليغرام – تويتر twitter

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى