رأي

قمة سورية سورية ملونة .. غسان أديب المعلم

تعلق السلطات في سوريا فشلها في إدارة الواقع السوري بتفاصيله جميعها، وفشلها في إدارة الأزمة بالشكل الذي يلائم تضحيات سكّان البلاد لأجل وطنهم، على شماعة مواقفها من القضيّة، وتراجع العمل العربي المشترك ووصولاً إلى معانٍ جديدة عبَّرت عنها الأزمة مثل غدر “الجميع” بسوريا بسبب مواقفها، ومشاركة البعض بدمارها وكسر ثباتها.

وأكثر من ذلك، فلا زالت الهويّة العربيّة والقضيّة محور أحاديث رجال السياسة دون استثناء، بحيث أن المصير سيبقى واحداً موحّداً، وأن المصلحة العربية فوق كلّ شيء، وأنّهم ماضون متعالون عن الجراح مهما حدث بهدف لمّ الشمل العربي، وإدارة ملفّ الصمود في وجه “الأعداء” وصولاً إلى تحقيق النصر وبلوغ الهدف للقضيّة.

وعلى ما أذكر، وفي تصريح لمقام الرئاسة أعلن فيه بأنّ “مُعظم” السوريّين قد كفروا بالعروبة، لكن مع ذلك هي الهويّة والمُراد ومنتهى الآمال.

وقبل أيام، تمّ الإعلان عن مؤتمر اللجنة المركزية لحزبٍ كبير، يرى كثيرون أنه مشابهٌ لقمم العرب، وأنّ نتائجه لن تتعدّى إضافة بضع كلماتٍ مُنمّقةٍ مُنتقاة لمرادفات الصمود والتصدّي التي “كفر بها السوريون” أيضاً لإحساسهم بالغبن من القائلين والمردّدين لها دونما أدنى شعور بالواقع والحال المزري الذي وصلت إليه البلاد وقاطنيها من بؤسٍ وتشرّد وفقر وعَوَز وحاجة.

وما كاد الإعلان يظهر حتى بادر الحزب الحاكم نفسه بإرجاء موعد انعقاد المؤتمر إلى ما بعد التشاور في الطبقات الحزبيّة الأدنى لاستبيانٍ التطلّعات والاطلاع على آمال الناس في هذه المرحلة والبناء عليها كأجندةٍ لجدول أعمال المؤتمر المذكور.

ولا تدري هذه السلطات “بحكم أنها من اللون الحزبي نفسه”، أنّها فقدت مصداقيّتها وثقة قاعدتها الشعبيّة بها، هذه القاعدة الشعبية التي ظهر حجمها الحقيقيّ إبان الأزمة بأنّها مجرّد أرقامٍ لا أكثر اختارت طريق الانتماء لغايات متعدّدة كالحصول على الوظيفة الحكوميّة أو الانتساب للمؤسسات بأنواعها والتدرّج في المناصب وصولاً إلى العليا، ومنها بهدف التخريب عبر الوصول إلى عربة قيادة القاطرة، كما أشار سابقاً أحد قياديّ حزب الإخوان المسلمين بأنَّ عليهم إمتطاء هذا القطار لتدمير هذا الحزب، والحقيقة التي ظهرت في الأحداث الأخيرة من حيث الكمّ الهائل من الخيانة الذي كان مصبوغاً بلون الإخوان المسلمين عند بعض قادة هذا الحزب، تؤكّد ما قاله ووضعه هذا القياديّ من أهداف.

وها نحن ذا، نعود للمرّة الألف إلى شعار تقرير المصير تحت مسميّات واهمة، رغم خمول بريق الشعارات التي أكل عليها الزمان وشرب بشأن الهويّة والانتماء والأولويّة والأهداف و و و و .

لكن ماذا عن الطريق والبناء نحو ذلك؟.

كلّ ماهو موجود أنّ على الجميع الانتماء الأعمى والتمسّك بالأمل والانتظار ثم الانتظار إلى حين ميسرة، بينما البلاد تُحتَضَر دون أدنى مبالغة، وخطر التقسيم يلوح في كلّ لحظة ومن مختلف الأرجاء، وسياسة التتريك في الشمال على قدمٍ وساق، ونهج الانفصال في الجزيرة ماضٍ دون أي عثرةٍ تقف في طريقه مع هذا الضياع الداخليّ، وحدّث ولا حرج عن اختلاف الاصطفافات بالتعامل أو العداء مع الحلفاء والأصدقاء وصولاً إلى فقدان الثقة بالسلطات بأكملها.

وفي النهاية، بقدر مايؤلم هذه السلطة غيابها عن اجتماعات القمة العربية، بقدر ما يؤلمنا عدم تفكير هذه السلطة بعقد اجتماع قمّة فعليّة مع شعبها الحامل الحقيقي لكلّ مفردات الشعارات والقضايا الكبرى، والحامل الرئيس لأساسات البلاد والبُنيان..

هذا الشعب يشعر بهزيمةٍ نكراء، حين ينتصر مكوّنٌ صغيرٌ من الدولة وهو السلطة، تلك االسلطة التي من المفترض أن تكون أداةً لخدمة الشعب، لكنّها باتت منتصرةً عليه، وبادلته تضحياته بالجحود والخذلان.

فعندما تنتصر الدولة فذلك يجب أن يكون انتصاراً للشعب، لكن في الحالة السوريّة الانتصار هو انتصار سلطة، بينما الشعب المكوّن الأساس للدولة قابع في وادٍ متخمٍ بالهزائم..

لذلك، القمّة الحقيقية تكون سورية سورية أولاً، ولاتقتصر على لونٍ حزبيّ واحدٍ يتحكّم بكلّ شاردة وواردة، بينما تاريخه يشهد له بالفشل على كافّة الأصعدة، وأن تكون الهويّة سوريّة خالصة، والعمل والبناء ينبغي أن يكون هدفه المواطن السوري، فهو حجر الأساس وليس جسر عبورٍ بسبب تحمّله وصبره وتضحياته.

لن نفرط بالأمل رغم تراكم الخيبات وتحطم الآمال، والهدف سوريا أفضل وأجمل وأنظف بكل المعاني وعلى كل المستويات.

 

إقرأ أيضاً .. سلاح الغاز .. سباق مع الزمن ..

إقرأ أيضاً .. جسر الودّ الوحيد ..

 

 

*كاتب وروائي من سوريا – دمشق
المقال يعبر عن رأي الكاتب

 

 

صفحتنا على فيس بوك  قناة التيليغرام  تويتر twitter

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى