دراسات وأبحاث

قد تبدأ بـ«لايك».. كيف تبدو الحروب في المستقبل في عصر «السوشيال ميديا»؟

|| Midline-news || – الوسط … 

إلى أي مدى غيرت الشبكات الاجتماعية الحروب، وإلى أي مدى سوف تؤثر على الحروب في المستقبل؟ كتبت مجلة  «فورين بوليسي» تقريرًا للإجابة عن هذا السؤال.

يقول التقرير: لعل هذا أغرب طلب في التاريخ السياسي: «إنَّ الصورة الوسطى التقطت من فيلم إباحي مجري. توقفوا عن استخدام صور مزيفة (لخداع) الناس ليدعموا قضيتكم الخاسرة».

تعرض لنا هذه التغريدة، بتاريخ 18 تشرين الثاني الماضي من حساب – لم يعد نشطًا – كانت تديره وزارة الخارجية الأمريكية، لمحة عن جبهة جديدة لمستقبل الحروب: التصيد

كانت هذه الرسالة ثمرة جهد أطلقته الوزارة عام 2011 لتتبع دعاية الإرهابيين ومواجهتها، أولًا ضد القاعدة، ثم «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» سريع النمو، الذي خرج من فلول «القاعدة» في العراق.

وقال التقرير: «إنَّ الحملة ربما كانت منطقية، لكنها سرعان ما أدت إلى نتائج عكسية. فبدلًا عن تشجيع مستخدمي (تويتر) للمعركة على الإنترنت ضد التطرف، توجهوا بالمزيد من الأسئلة».

سأل أصحاب أحد الحسابات قائلًا: «كيف عرفت وزارة الخارجية أنَّ الصورة مأخوذة من فيلم إباحي مجري؟». وقال آخر: «يا رجل… مريب جدًا أن تعرفوا هذا القدر عن الأفلام الإباحية المجرية». وبعد موجة من الانتقادات، قررت الوزارة أنَّ من غير الملائم للحكومة الأمريكية أن تتورط في وحل الشبكات الاجتماعية – الأفضل أن تركز على الضربات الجوية – ومن ثم أغلقت هذا الحساب على «تويتر».

بعد ذلك بأربع سنوات يبدو مثل هذا التردد غريبًا إلى حد ما. ففي حقبتنا الحالية التي لم يصل فيها الرئيس دونالد ترامب للسلطة من خلال استخدامه البارع للوسيط ذاته فحسب، وإنما استخدمه حتى في إقالة أول وزير خارجية له، فإنَّ المفاهيم القديمة القائلة بأنَّ «الحكومة ينبغي أن تبقى في مستوى أعلى من شجارات الشبكات الاجتماعية» قد تبخر.

أصبحت مواقع «فيسبوك»، و«يوتيوب»، و«تويتر» ساحات معارك حاسمة للسياسيين. لقد أصبحت الشبكات الاجتماعية ساحة يكون فيها الانتشار مقدمًا على المصداقية. في هذا المضمار، يكون الاهتمام قوة. احصل على ما يكفي من الاهتمام وسوف يكون بإمكانك إعادة تشكيل نسيج الواقع نفسه.

منذ جيل مضى، بدأ المفهوم الجديد لما صار يطلق عليه «الحروب السيبرانية» ـ أي اختراق الشبكات – في أخذ الصراع إلى مجال جديد. واليوم، فإنَّ ما ندعوه بـ«حرب الإعجابات» – اختراق الأشخاص والأفكار على هذه الشبكات – يمثل أحدث تحول في طبيعة الحرب دائمة التغير.

ظاهريًا قد تبدو الكثير من هذه المعارك التي تشن على الشبكات الاجتماعية وكأنها محض دعاية، ونسخة سخيفة منها في أغلب الأحيان، وكأنها تصيد مراهقين ينقل إلى المسرح العالمي. ففي شهر (آب) 2017 مثلًا، هاجم الحساب الرسمي للحكومة الأوكرانية على تويتر روسيا بصورة جرافيكية متحركة (GIF) ساخرة من مسلسل الرسوم المتحركة ساوث بارك.

وفي شهر  (حزيران) 2018، ردت السفارة الإسرائيلية في العاصمة واشنطن على تهديد من المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، بـ«ميم» من مسلسل مين جيرلز. وفي شهر (أيار) 2018، أطلقت القوات الجوية الأميركية نكاتًا عن ضرباتها الجوية في أفغانستان، بينما ردت طالبان بالسخرية من علاقة الحب غير الشرعية للقائد الأمريكي السابق ديفيد بيترايوس.

لكن ليس هدف جميع أولئك الفاعلين مجرد إثارة الضحكات، وإنما السخرية من أعدائهم وتوسيع نفوذهم، في عالم يمكن فيه للنفوذ على الإنترنت أن يؤدي إلى سلطة فعلية حقيقية. لكن تحت كل ذلك، ثمة جانب من أكثر خطورة من الصراع يحدث، ذخيرته سرب الصور الملتقطة من المعارك الحقيقية. فاليوم، جميع خطواتنا تقريبًا يجري تتبعها، بما في ذلك أي شيء بدءًا من الحملات الانتخابية إلى الحملات العسكرية.

وقال التقرير: إنَّ بعض هذا التتبع يكون متعمدًا: صور السيلفي الملتقطة في وسط معركة، أو المراقبون للأحداث مع هواتف ذكية في أيديهم. والنتيجة أنَّ أصغر حملات إطفاء الحرائق، يراقبها جمهور عالمي، بينما يجري مشاركة الهجمات الإرهابية مباشرة من قبل القتلة أنفسهم.

يستخدم محللو استخبارات المصادر المفتوحة بعد ذلك هذا الفتات الرقمي للكشف عن أسرار جديدة، وتوثيق جرائم الحرب التي قد تمر دون توثيق لولا ذلك، أو تقييم قوة  تشكيلات العدو . ويستفيد من ذلك الطيبون والأشرار على حد سواء: إذ يستخدم الإرهابيون هذه المعلومات للفوز بمجندين جدد، ويستخدمها نشطاء حقوق الإنسان لتسليط الضوء على محنة المدنيين المتعرضين للأذى وحتى توجيه الإنقاذ إليهم.

وقال التقرير: إنَّ آلاف المراقبين الافتراضيين، خلال معركة الموصل التي جرت بين عامي 2016 و2017، وهي أكثر حصار في التاريخ حظي بهذا القدر من البث المباشر والوسوم (الهاشتاجات)، كانوا ينتظرون كل قصاصة جديدة من المحتوى من كل الأطراف. هذه المعارك التي تدور في الظلال الرقمية ليست متعلقة فحسب بالكشف عن الأسرار، وإنما بدفن الحقائق أيضًا ـ بل حتى تشكيل القلوب والعقول والأفعال. فالحواسيب الروسية لم تتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 فحسب.

فهذه الحواسيب استخدمت خليطًا من العمليات المعلوماتية على الطراز القديم وتقنيات تسويق رقمية جديدة، لإشعال شرارة احتجاجات حقيقية، وتوجيه عدد من الدوريات الإخبارية الأمريكية، والتأثير على الناخبين في واحدة من أقرب الانتخابات في التاريخ المعاصر. فباستخدام وسائل على الإنترنت فحسب، اخترق الروس المجتمعات السياسية الأمريكية بدرجة كاملة إلى درجة أنَّ ناخبين أمريكيين من دم ولحم سرعان ما بدأوا في ترديد نصوص كتبت في سانت بطرسبرج وما زالوا يعتقدون بها أنفسهم.

دوليًا حفزت هذه الهجمات المعلوماتية الروسية مشاعر معارضة لـ(الناتو) في ألمانيا من خلال اختراع فظاعات لا أساس لها من الصحة، ووضعت الذريعة لاجتياحات محتملة لإستونيا ولاتفيا وليتوانيا من خلال تأجيج الكراهية السياسية للأقليات الروسية في هذه البلدان، وفعلوا الأمر ذاته عند الاجتياح الحقيقي لأوكرانيا. وهذه هي العمليات التي نعرفها فحسب.

قد تبدو مثل هذه المناوشات على الإنترنت غير مهمة مقارنة بالمعارك الحقيقية المنفذة بأسلحة حقيقية، لكنها أصبحت على نفس القدر من الأهمية. وكما قال الجنرال ستانلي مكريستال، القائد المكرم لقيادة العمليات الخاصة المشتركة، في مؤتمر عسكري عام 2017، فإنه في المستقبل المنظور، ما سوف يحدث على الشبكات الاجتماعية سوف يكون حاسمًا في نتيجة أية مناظرة، أو معركة، أو حرب.

والسبب، كما شرح الجنرال، أنَّ الحروب الآن صارت تشن حول الحقائق ذاتها. وقال الجنرال إنه في هذه المعارك «سوف يكون الخط الفاصل بين الواقع والإدراك غير واضح. سوف يكون الفصل بين الحقيقة والخيال أمرًا صعبًا على الحكومات، لكن شبه مستحيل للمواطنين».

وقال التقرير: إنَّ تعليقات مكريستال قد تبدو وكأنها صدى لهذيان أليكس جونز، المؤمن بنظرية المؤامرة، والذي يستخدم موقعه «Infowars (حرب المعلومات)» شعار: «ثمة حرب على عقلك!» لكنَّ ذلك لا يجعل هذه التعليقات أقل صدقًا.

فمع فهمنا الشخصي والسياسي للعالم المخترق باطراد من خلال مصادر الإنترنت، فإنَّ الصور والأفكار الموزعة والمصممة على الشبكات الاجتماعية، قد تبدو أهم من الحقائق الموضوعية. وكما يعبر مكريستال عن ذلك: «إنَّ تشكيل الإدراك عن أي الجانب الصحيح والجانب الرابح سوف يكون أكثر أهمية من حقيقة الجانب الصحيح أو الرابح فعلًا».

والحق أنَّ الرسائل المتداولة في الشبكات الاجتماعية اليوم لا تشكل النتائج المتصورة فحسب للصراعات، وإنما خيارات القادة ذاتها خلال الحملات العسكرية. فروسيا، على سبيل المثال، قد جعلت من عملياتها المعلوماتية سلاحًا قويًا وسريعًا يستطيع استهداف الناخبين الأمريكيين أو يحدد بدقة أماكن الضربات المدفعية في أوكرانيا، باستخدام ما يحدث في عالم الإنترنت لتحديد الموقع الجغرافي للجنود، ومن ثم إرسال رسالة الموت الوشيك قبل ضرب المدافع مباشرة. بل إنَّ الشبكات الاجتماعية تتحكم في الوتيرة الإجمالية.

إذ كشفت دراسة من عام 2016، للبروفيسور توماس زيتزوف من الجامعة الأمريكية عن الحملة الجوية للجيش الإسرائيلي عام 2012 ضد «حماس» في قطاع غزة أنَّ الصراع كان يتبع الوتيرة المحددة على تويتر. كانت وتيرة العمليات والاستهداف تتغير تبعًا للجانب المهيمن على الحوار عبر الإنترنت في ذلك الوقت. وكان ضباط الجيش وزعماء المدنيين يراقبون محتوى الشبكات الاجتماعية ويتفاعلون وفقًا له.

وفي بعض الأحيان يمكن حتى لمنشورات الشبكات الاجتماعية أن تشعل شرارة معارك جديدة، لا سيما عندما تلعب على وتر التوترات أو الكراهية القائمة منذ وقت بعيد. فالحكومة السريلانكية قد ألقت باللائمة على شائعات منتشرة على فيسبوك في إثارة الكراهية التي أدت إلى هجوم وحشي على الأقلية المسلمة في البلاد في شهر مارس(آذار) الحالي.

وفي شهر يونيو (حزيران) تدوولت تقارير كاذبة بين مستخدمي مجموعة واتساب هندية قوامها 200 مليون شخص، دفعت إلى موجة من عمليات الإعدام خارج نطاق القانون. وفي غضون ذلك ما تزال الرسائل العنصرية والشائعات التي يجري مشاركتها على فيسبوك مستمرة في تغذية التطهير العرقي لأقلية الروهينجا المسلمة في ميانمار.

وتشير الأدلة المتزايدة إلى أنَّ هذه الحروب عبر الإنترنت لا تكتفي ببدء الصراعات والقتل الجماعي، وإنما تجعل النزاعات أصعب في الإنهاء. وقد لاحظ علماء الجريمة، الذين يدرسون ارتفاع عدد حالات القتل في مدن مثل شيكاغو، كيف أنَّ نسبة متزايدة من عنف العصابات يمكن عزوها إلى التشاتم عبر الشبكات الاجتماعية.

أحيانًا، تكون الشرارة سببها رمز تعبيري (emoji) غير محترم، وفي أحيان أخرى تكون الشرارة في منشور قديم منسي، يستخرج في لحظة من التوترات المتصاعدة. وبخلاف التفاعل في الشارع (أو بين الدبلوماسيين في مفاوضات تقليدية)، فلا يهم إن كانت الإهانة الأصلية قد وقعت منذ عام مضى أو على بعد مئات الأميال. كل ما يهم أنَّ العالم يشاهد وأنَّ الإنترنت لا ينسى أبدًا.

ومن السهل أن ترى كيف أنَّ ديناميكية مشابهة سوف تطارد مفاوضات وقف إطلاق النار في المستقبل، سواء كانت لإنهاء تمرد أو لإنهاء الحروب الكبرى بين الدول. هناك دومًا بعض الأشخاص العازمين على إبقاء العنف مستمرًا. وعلى الإنترنت، لا يفقد أولئك الأشخاص صوتهم أبدًا.

ومع ذلك، ومع أنَّ كل ذلك قد يبدو مروعًا، فإنَّ الشبكات الاجتماعية قد بدأت فحسب في تشكيل مستقبل الحروب. فنصف العالم فقط موجود على الشبكة، وأدوات «حرب الإعجابات» في وقتنا الحالي بمثابة الطائرات البدائية ثنائية السطح بالنسبة للحرب الجوية.

والواقع أنَّ أجهزة الذكاء الآلي الجديدة تزيد من صعوبة التفريق بين الحقيقة والأكاذيب بالنسبة للبشر، ومن المرجح أن تعيد تشكيل مفهومنا عن الواقع ذاته. وخلال العام الماضي أصبحت التقنيات الضرورية لخلق «تلفيقات عميقة» ـ وهي عمليات التزوير الرقمية الواقعية التي تولدها شبكات عصبية اصطناعية متطورة ـ أصبحت متاحة بشكل متزايد.

هذه التكنولوجيا، المستخدمة حاليًا من قبل علماء الكمبيوتر المتطورين ومصوري الأفلام الإباحية المبتكرين، سوف تغرق الإنترنت قريبًا بتقليد صوتي مثالي، وتصوير فيديو واقعي، وشبكات واسعة من البوتات الثرثارة التي لا يمكن تمييزها عن نظرائها من البشر.

ومثل كل شيء آخر، فإنَّ هذه التلفيقات العميقة من المرجح أن تستخدم هي الأخرى كسلاح، في الانتخابات وفي المعارك حتى. وقد جربنا ذلك بالفعل. ففي محاولة (داعش) للسيطرة على الموصل، كانت قادرة على استخدام مزيج من الأخبار الحقيقة والمزيفة للمساعدة في تحفيز تراجع وحدات الجيش العراقي.

بل حتى وحدات حروب المعلومات الأمريكية تتدرب الآن على زرع مسارات رقمية خاطئة لتضليل أعدائها. ربما نجد أنفسنا يومًا ما نواجه احتمالية خليج رقمي في تونكين، تكون فيه الحرب الحقيقية مبنية بالكامل على أكاذيب الذكاء الاصطناعي.

هذه التحديات تعيد تشكيل السرعة والخبرة، بل حتى مدى الصراع. في عصر الشبكات الاجتماعية، فإنَّ كل انتخابات وكل نزاع وكل معركة تكون عالمية ومحلية في الوقت ذاته. حتى مع زيادة غرابة فكرة الحرب الفعلية بالنسبة للأوروبي العادي مع كل جيل، فقد أصبحت الحروب أيضًا أكثر شخصية من أي وقت مضى.

إنَّ خياراتنا فيما نضغط عليه «لايك» وما نشاركه (أو نمتنع عن مشاركته) لا تشكل نتائج الانتخابات والمعارك فحسب، وإنما ايضًا ما يعامله أصدقاؤنا وأهلنا والعالم الأوسع بوصفه حقيقيًا. ربما لا تكون مهتمًا بالحروب، لكنَّ مستقبل الحروب والسياسة مهتم للغاية بك وبما تتفاعل معه.

المصدر : وكالات +فورين بوليسي مترجم

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى