“قائمة تحقُّق” .. د.محمد عامر المارديني

|| Midline-news || – الوسط …
.
لم تكنِ الطريقُ سهلةً، كان انطلاقُنا من مدينةِ حمص عند منتصف الليل وصولاً إلى الحدود اللبنانيّةِ، ومنها إلى مدينةِ جونية، حيثُ اللقاءُ عند الساعةِ الخامسةِ فجراً بناء على طلب زميلنا الأستاذِ الجامعيّ الطبيب قبل أن يباشرَ عمليّاتِه الجراحيّةَ في المشفى.
وأثناء سفرنا إلى هناك، وعند نحو الساعةِ الثانيةِ صباحاً.. اضطُرِرنا إلى التوقُّف عند إحدى محطّاتِ الوقود للاستراحة قليلاً ولملءِ خزّان السيارة بالوقود. استأذنتُ زملائي المرافقين للدخولِ إلى الحمام. نعم، لقد كانتِ الساعة تشير إلى الثانيةِ صباحاً حين انتظرت للحظاتٍ أمام الحمّام، ريثما تنهي سيدةٌ تلبسُ زيَّ عملٍ أنيقاً، وتضع قبّعةً تخفي معظمَ شعرها، وتحمل على ساعدها صفيحةً خشبية عليها أوراقٌ مطبوعة، وقلم حبرٍ جافّ رُبِط إلى الصفيحةِ بشريط، كانت تنظرُ داخل الحمّام وتفحصُ ثم تكتبُ شيئاً ما على الأوراق.
خِلتُ أنّها موظفةُ صحّةٍ عامة، لكنّ التوقيتَ جعلني أشكّكُ في ذلك. وبينما أنا أنتظرُ السماحَ لي بالدّخول، إذا بها تلتفتُ إليّ وتقول ليَ بالفرنسيّة: انتري مسيو، أو هذا مافهمتُهُ على الأقلّ! أثار فضولي وجودُها في هذا الوقت المبكر، فاستأذنتُها بالسؤال عمّا تفعل، فابتسمَت وقالت بعد تنهيدةٍ خفيفة: أنا أعمل في شركةِ تدقيق.
قلت لها: تدقيق؟ تدقيق على ماذا؟
عادت تتبسّمُ وتقول: نعم، تدقيق على عمل الشركة المكلّفة بتنظيف محطةِ الوقود.
عدت وسألتها بدهشة: الله الله، هلَّا تكرّمتِ وشرحتِ لي، وطبعاً إن كان في الإمكان ذلك.
قالت: أنا كما تراني أحملُ قائمة تحقُّق، وعليَّ متابعةُ مطابقةِ بنود النظافة المتَّفَق عليها. محطّةُ الوقود هذه تعاقدَت مع شركة لتنظيفِ مواقعِ المنشأة، أما أنا فمُنتدَبة من مؤسّسة تدقيقٍ على الخِدمات، أي أنّني أدقّقُ في إجراءات التّنظيفِ المتّفقِ عليها بينَ إدارةِ المحطّة، والشركةِ المتعاقَدِ معها، إن كانت عمليّاتُها مطابقةً للمواصفات. أمّا قائمةُ التحقُّق التي بين يديّ فتشملُ جميعَ البنودِ الواردة في عقد النّظافة.. مثلاً يجب أن يتوافرَ لفافتان من ورق الحمّام عند الساعةِ الثانيةِ صباحاً، وعبوةٌ إضافيّة كاملة من الصابونِ السائل، وعبوتان من مناديل التجفيف، ثم أتأكّد بعد ذلك أن صنبورَ الماء يعطي الماء الساخن والبارد بدفقٍ معتدل، أفحص كذلك نظافةَ الزوايا من الغبار، وأتحقّق بنفسي أنَّ الأرضيّةَ جافةٌ غيرُ مبلّلةٍ، وأنّ المطهرَ والمعطِّرَ متاحان بكميةٍ كافية، وهكذا.
قلت لها: لعلّي أفهمُ ذلك، لكن أَفي هذا الوقت المبكرِ تعملين في التّدقيق؟
قالت لي ضاحكة: لدينا ثلاثُ مناوبات يومياً، مناوبةٌ كلَّ ثماني ساعات.
قلت لها مستغرباً: أليس هذا مبالغاً فيه؟
قالت: مممم، إذا حضر زبائنُ المحطة ولم تُلبِّ معاييرُ النظافة متطلّباتِهم فلن يعودوا إليها ثانيةً، النظافةُ مطلبٌ لا تساهلَ فيه ولا حيادَ عنه، هي احترامٌ للنّاس قبل أن تكونَ خدمةً تُقدَّم إليهم.
والباقي من عندكم يا أصدقائي!
.