“في الكتابة والصداقة”.. محمد الترهوني

|| Midline-news || – الوسط …
.
الكتابة يجب أن تسير في الطريق المهجور، بعيداً عن البحث عن الكلمات الصائبة، تلك الكلمات التي تومئ إلى معنى الاحترام. الكتابة لا تعود على الكاتب بتأمين صحي ولا براتب تقاعدي، و لا تضمن حتى وصول الحنين اليائس للتغلب على الوحدة..
فلماذا نخاف و لا نقابل تشامخ الحياة بكتابة تتألق قبل أن تتلاشى؟ الكتابة تحب القادرين على حملها في عيونهم دون أي نية مبيتة للوقوع في غرامها. الكتابة تمشي في نومها، بجهد كبير ترتدي ثيابها، وتسكن زقاقاً مظلماً، وتنتشر على حساب الكلام الذي لا يقترب منها إلا بدبلوماسية مشينة، من سيقع في غرام مثل هذه الفوضى؟
لا أحد يريد أن يكون صاحب مهنة في هذا المجال، الكتاب جميعا عاطلون عن العمل، ومن يريد أن تكون مهنته رزمة ضخمة من الاكتئاب والحزن العميق؟ أنا أكتب فقط لأن ظلي ينتظرني بجانبكِ، ولأن الكتابة هي البيئة المثلى للقاء بك، من يستطيع تدبير موعد معك في أي وقت غير الكتابة؟ حتى المسافة بين حياة الحب وموت الحب تقع خارج جدران الحب و نقطعها في غابة من الحروف.
(الكتابة دون التأكيد على وجودكِ تشبه امرأة منزوعة الشهوة، بئراً بلا قاع، هذا ما أكتب عنه، أنا زينتكِ الإضافية، ومعجون أسنانك، الصابون الخاص بيديكِ، ثيابكِ التي تلائمكِ، الرسالة التي تجدينها في أيميلك، بدون روعة الكتابة، كيف أكون كل هذا وحبيبكِ في نفس الوقت)؟
تتكدس العلاقات أمامنا جميعا لكن العلاقة الوحيدة التي تحتاج إلى مهارة هي الصداقة، وهذا ليس لأنها صعبة فقط، بل لأن الخطى فيها زالقة و تعتمد على فهم القواعد المشتركة. الصداقة مع المرأة هي فن خلق المساحة المناسبة للصعود البطيء للعلاقة، لا تحتاج الصداقة مع المرأة إلى حالة من ضبط النفس، و لا لمعرفة نوع الصابون الذي تستخدمه أو إذا ما كانت تسريحة شعرها مدعومة بذوق جميل، كل هذا مهم لكن الأهم هو حبك للأشياء التي تجهلها عنها أكثر من الأشياء التي تسمعها منها على الطاولة.
الصداقة مع المرأة متعة تموت في اللحظة التي تقول فيها صديقتك: ” أرجوك دعني أكمل جملتي”.
هذه الجملة تنطوي على أمر بقتلك، يجب أن لا تفكر في تأكيد شخصيتك بقدر ما تهتم بتفاصيلها الصغيرة، إذا لم يكن لديها حبيب عليك أن تعلمها كيف تستخدم أحمر الشفاه ومبرد الأظافر من أجلك أنت. عليك التدخل بشكل محدود جداً في موضوع أفكارها، تدخّل يكون هدفه أن تكون هي جذابة بسبب ثقافتها وليس جسدها أو ملابسها ، لا تسأل نفسك أبدا ما الذي يجب عليَّ فعله. عليك أن تكون في كافة الظروف والأوقات والأماكن؛ لديك الصفات المتماسكة التي تجعل الآخرين يحسدونها عليك. المشكلة حين تكون صديقتك بعد قراءة متفحصة ودقيقة هي كل ما هو مثير في الحياة والكتب، أن تكون كلمة حب تخرق أذنك في كل لحظة. الحب لا يتوقف بمجرد الطلب منه أن يكف عن النمو، الحب دكتاتور وتساعده رغبتك الموجودة بجانبك دائماً. يجب أن لا تجعل الأوضاع تتوتر، التأكيد على التجذر في أرض الصداقة هو الحل، وهذا لا يعني أن تضع قطعة من القماش المشمع على مشاعرك.. لا طبعاً، لكن يعني أن تبقى وفيا للصداقة وتجعل منها هي شغفك وموضوع تألق لا نهائي.
(لا تختر طريقاً مغايراً بعيداً عن الصداقة، بل يجب أن تتحول الصداقة إلى جمال يشبه الصلاة أو البكاء، لكن هنا عليك أن تبدأ بمعرفة نوع الصابون، وكريم البشرة، وكيف يجب أن تبدو جميلة وماكرة دائماً).