فجر الديسكو .. مراد داغوم

.منذ ثلاثينات القرن الماضي، سيطرت الإيقاعات اللاتينية على الأغنيات الغربية، مثل التانغو والتشاتشا والسامبا والسالسا، وفي مرحلة متأخرة التويست.
وكظاهرة للانفلات من قيود “الاتكيت” الصارم التي سادت آنذاك ظهرت حركة “الهيبيز” كثقافة مضادة رئيسية استمرت حتى الستينات وأثرت على النواحي الاجتماعية، فظهرت فرقة البيتلز مخترعة إيقاعاً جديداً الـ8 Beat وانتشرت أغنياتها في أوساط الجيل الشاب الذي لم يترك حرية إلا وطرقها، ليس أقلها المخدرات ولا آخرها المجاهرة بالمثلية الجنسية.
كما كان للقضايا السياسية ردود فعل عنيفة كالمواقف من حركة الحقوق المدنية وخرب فييتنام واغتيال مارتن لوثر كينغ وجون كينيدي ثم فضيحة ووترغيت، أثار كل ذلك شعور الكثيرين بخيبة الأمل واليأس. لذلك تميزت فترة بداية السبعينات في الولايات المتحدة بتحول في وعي الشعب الأميركي مثل صعود الحركة النسائية (الفيمينيست)، وسياسات الهوية، والعصابات، مما أحدث تغييراً في هذا العصر.
احتاج جيل الشباب آنذاك لملاذ يهربون إليه من مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية السلبية. وعن ذلك يقول سايمون فريث Simon Frith في كتابه “أشياء جميلة في الثقافة الشعبية Beautiful Things in Popular Culture” مسلطاً الضوء على التواصل الاجتماعي للديسكو وجذوره في الثقافة المضادة في الستينيات. يقول: “القوة الدافعة لمشهد الرقص تحت الأرض في نيويورك الذي تم فيه تشكيل الديسكو لم تكن مجرد الثقافة العرقية والجنسية المعقدة لتلك المدينة، ولكن أيضًا فكرة الستينيات عن المجتمع والمتعة والكرم التي لا يمكن وصفها إلا بالهيبي”. “أفضل موسيقى ديسكو احتوت بداخلها على إحساس قوي بشكل ملحوظ بالنشوة الجماعية.” مصطلح “disco ديسكو” هو اختصار لكلمة ديسكوتيك discothèque، وهي كلمة فرنسية تعني “مكتبة تسجيلات الفونوغراف” مشتقة من “مكتبة”. كان لكلمة “discothèque” نفس المعنى في اللغة الإنجليزية في الخمسينيات من القرن الماضي.
أصبح “Discothèque” مستخدماً بالفرنسية لنوع من الملاهي الليلية في باريس ، فرنسا ، بعد أن لجأ هؤلاء إلى العزف على التسجيلات أثناء الاحتلال النازي في أوائل الأربعينيات. بعض النوادي تستخدمه كاسم خاص بهم. في عام 1960 ، تم استخدامه أيضًا لوصف ملهى ليلي باريسي في مجلة إنجليزية. غالبًا ما يُزعم أن ولادة الديسكو تمت في حفلات الرقص الخاصة التي أقامها منزل دي جي ديفيد مانكوسو DJ David Mancuso بمدينة نيويورك، والذي أصبح معروفًا باسم The Loft، وهو نادٍ غير تجاري تحت الأرض مخصص للمدعوين فقط، كان إلهاماُ لكثيرين لآخرين. قام مانكوسو بتنظيم أول حفلة كبيرة في منزله في مانهاتن في عيد الحب 1970 باسم “الحب ينقذ اليوم Love Saves The Day”.
وبعد بضعة أشهر، أصبحت الحفلات أحداثًا أسبوعية طلب مانكوسو أن تكون الموسيقا التي يتم تشغيلها مليئة بالعاطفة والإيقاع وتنقل كلمات الأمل أو الفداء أو الكبرياء. عندما أقام مانكوسو أولى حفلاته المنزلية غير الرسمية، تعرض مجتمع المثليين (الذي يشكل جزءًا كبيرًا من قائمة الحضور في The Loft) للمضايقة في حانات المثليين ونوادي الرقص، حيث كان العديد من الرجال المثليين يحملون أموال الكفالة معهم إلى حانات المثليين. لكن في The Loft والعديد من مراقص الديسكو الخاصة الأخرى المبكرة، كان بإمكانهم الرقص معًا دون خوف من عمل الشرطة بفضل سياسات Mancuso السرية، ولكن القانونية. وصفها فينس أليتي Vince Aletti بأنها “مثل الذهاب إلى حفلة مختلطة تمامًا، عرقية وجنسية، حيث لا يوجد أي شعور بأن شخصًا ما أكثر أهمية من أي شخص آخر، وكرر أليكس روزنر Alex Rosner هذا القول (ربما كان حوالي 60% من السود و70% من مثليي الجنس … كان هناك مزيج من التوجه الجنسي، وكان هناك مزيج من الأعراق، ومزيج من المجموعات الاقتصادية. مزيج حقيقي، حيث كان القاسم المشترك هو الموسيقا).
وصف الناقد السينمائي روجر إيبرت Roger Ebert الاحتضان الشعبي لرقص الديسكو الغزير بأنه هروب من “الكساد العام والجو السياسي والموسيقي في أواخر السبعينيات. وقالت بولين كايل Pauline Kael، التي كتبت عن فيلم Saturday Night Fever الذي تميز بثيمة الديسكو، إن الفيلم والديسكو نفسه تطرقا إلى (شيء رومانسي للغاية، والحاجة إلى التحرك والرقص والحاجة إلى أن تكون كما تريد. النيرفانا هي الرقص (الحالة المثلى هي الرقص)؛ وعندما تتوقف الموسيقا، تعود إلى كونها عادية).
وفقًا لبيتر برونشتاين Peter Braunstein، فإن “الكميات الهائلة من الأدوية التي يتم تناولها في الديسكو أنتجت الظاهرة الثقافية التالية لعصر الديسكو: الاختلاط المتفشي والجنس العام. وبينما كانت حلبة الرقص هي الساحة المركزية للإغواء، كان الجنس الفعلي يحدث عادةً في المناطق السفلية من الديسكو: أكشاك الحمام، وسلالم الخروج، وما إلى ذلك. وفي حالات أخرى، أصبح الديسكو نوعًا من “الطبق الرئيسي” في قائمة طعام المتعة لقضاء ليلة في الخارج”.
يمارس الراقصون والرعاة المثليون الجنس في النادي؛ كانوا عادة يمارسون الجنس دون وقاية، لأنه في عام 1980 لم يتم التعرف على فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز بعد. أما في The Saint، فقد كان الراقصون يهربون إلى شرفة الطابق العلوي غير المراقبة.
ثقافة الديسكو المبكرة في المملكة المتحدة في أواخر الستينيات من القرن الماضي، تم اختيار روح uptempo ذات الإيقاعات الثقيلة وبعض أنماط وأزياء الرقص المرتبطة بها في مشهد الموضة البريطاني وشكلت حركة الروح الشمالية northern soul movement. التي نشأت في أماكن مثل Twisted Wheel في مانشستر، وسرعان ما انتشرت إلى صالات الرقص والملاهي الليلية الأخرى في المملكة المتحدة مثل Chateau Impney (Droitwich) ، Catacombs (Wolverhampton) ، Highland Rooms at Blackpool Mecca ، Golden Torch (ستوك أون ترينت Stoke-on-Trent) و كازينو ويغان Wigan. نظرًا لأن الإيقاع المفضل أصبح أكثر إثارة وجاذبية في أوائل السبعينيات، أصبح رقص ” الروح الشمالية” أكثر رياضية، يشبه إلى حد ما أنماط الرقص اللاحقة والبريك. تتميز أساليب رقص النادي التي تتميز بالدوران والشقلبة وركلات الكاراتيه والخلفيات، وغالبًا ما كانت مستوحاة من العروض المسرحية لأعمال الروح الأمريكية المتجولة مثل Little Anthony & the Imperials و Jackie Wilson. في عام 1974، كان هناك ما يقدر بنحو 25000 ديسكو متنقل و 40.000 محترف جوكي professional disc jockeys في المملكة المتحدة.
تم استئجار ديسكو متنقل من قبل deejays أحضروا معداتهم الخاصة لتقديم الموسيقى للمناسبات الخاصة. كانت أغاني موسيقى “الروك غلام” شائعة Glam rock tracks، على سبيل المثال أغنية “روك آند رول الجزء 2 Rock and Roll Part 2” المنفردة لجاري جليتر Gary Glitter عام 1972 والتي أصبحت مشهورة في حلبة الرقص في المملكة المتحدة بينما لم يتم بثها على الراديو. صعود الديسكو 74-77 تزايدت شعبية أغنيات الديسكو بين 74 – 77 عندما وصلت عدة أغنيات ديسكو إلى ذروة قوائم المبيعات. كانت أغنية “Rock the Boat” لفريق The Hues Corporation سنة 1974 أغنية مفردة قد حصلت على المركز الأول وباعت مليون نسخة كانت أول أغنية ديسكو تحصل على المركز الأول. وفي السنة ذاتها تلتها الأغنية الشهيرة Kung Fu Fighting التي نفذها Carl Douglas حصلت على المركز الأول في كل من بريطانيا وأميركا ثم انتشرت في أنحاء العالم وحققت أفضل المبيعات لكل السنين (11 مليون نسخة في العالم)، ولعل بدايتها المميزة هي سر انتشارها، وقد ساهم ذلك في انتشار شعبية نمط الديسكو في العالم. في السنة ذاتها أيضاً ظهرت أغنية “Rock Your Baby” التي غناها George McCrae وحصلت أيضاً على المركز الأول في بريطانيا ونتالت شهرة عالمية. في 1975، أصدرت غلوريا غاينر Gloria Gaynor ألبومها الأول تضمن إعادة لأغنية فريق الجاكسن فايف the Jackson 5 – Never Can Say Goodbye وهي عنوان الألبوم. ولاحقاً في 1978 أطلقت رائعتها الشهيرة I Will Survive التي اعتبرت كرمز لقوة الحركة النسوية (الفيمينيست)، ثم أصبحت نشيداً لأصحاب المثلية الجنسية. ثم تلتها لاحقاً سنة1983 بأغنية Let Me Know التي اكتسبت شعبية ولسعة في أوساط حركات الحقوق المدنية.
في سنة 1977، أصدرت فرقة KC and the Sunshine مجموعة من أغنيات الديسكو انتشرت عالمياً أهمها أغنية That’s the Way I Like It. في أوروبا، اكتسحت فرقة ABBA (رباعي سويدي) العالم بأغنياتها على الإيقاع الجديد مثل Waterloo 1974 وFernando سنة 1976 وTake a Chance on Me سنة 1978 وغيرها الكثير من الأغنيات الناجحة. نافستها في الانتشار العالمي فرقة Boney M وهي ذات أصول ألمانية، وقد أصدرت سلسلة من الألبومات الناجحة عالمياً مثل Daddy Cool عام 1976، Ma Baker سنة 1977، Rivers Of Babylon سنة 1978. ومن الفرق المتميزة أيضاً أصدرت فرقة Bee Gees أغنيات اكتسحت أسواق الأغنيات مثل Saturday Night Fever لفيلم بالعنوان ذاته، والأغنية الرائعة Stayin’ Alive وNight Fever . في منتصف الثمانينات بدأ انتشار الموسيقا الالكيترونية مبشرة بانتهاء آخر عصور الإيقاع الحي حتى نهاية التسعينات. واليوم يتصدر الهيبهوب والراب قوائم الأغنيات الغربية.
*(مراد داغوم – مؤلف وموزع وناقدموسيقي – سوريا).
روابط:
Rock the Boat https://www.youtube.com/watch?v=iKr9wZpjBqE
Kung Fu Fighting https://www.youtube.com/watch?v=bmfudW7rbG0
Rock Your Baby https://www.youtube.com/watch?v=8T2kE2w2hVU
Never Can Say Goodbye https://www.youtube.com/watch?v=ofcgjeELS0M
I Will Survive https://www.youtube.com/watch?v=XZGwHtGBZJU
Waterloo https://www.youtube.com/watch?v=Sj_9CiNkkn4
Ma Baker https://www.youtube.com/watch?v=9c5yPIQ3LQI
Stayin’ Alive https://www.youtube.com/watch?v=fNFzfwLM72c
تابعونا على صفحة الفيسبوك: https://www.facebook.com/alwasatmidlinenews